في بعض السنين حاجّا ، إذ دخلت المدينة وأقمت بها أياما أسأل واستبحث عن صاحب الزمان عليهالسلام ، فما عرفت له خبرا ولا وقعت لي عليه عين ، فاغتممت غمّا شديدا وخشيت أن يفوتني ما أمّلته من طلب صاحب الزمان عليهالسلام ، فخرجت حتّى أتيت مكّة ، فقضيت حجّتي وأقمت بها أسبوعا ، كل ذلك أطلب ، فبينا أنا أفكّر إذ انكشف لي باب الكعبة ، فإذا أنا بانسان كأنّه غصن بان متّزر ببردة متّشح بأخرى ، قد كشف عطف بردته على عاتقه ، فارتاح قلبي وبادرت لقصده ، فانثنى عليّ وقال : من اين الرجل؟ قلت : من العراق ، قال : من أيّ العراق؟ قلت : من الأهواز ، فقال : أتعرف ابن الخصيب؟ قلت : نعم ، قال : رحمهالله ، فما كان أطول ليلته وأكثر تبتّله وأغزر دمعته ، قال : فأين المهزيار؟ قلت : أنا هو ، قال : حيّاك الله بالسلام أبا الحسن ، ثمّ صافحني وعانقني وقال : يا أبا الحسن ، ما فعلت العلامة الّتي بينك وبين الماضي أبي محمّد نضّر الله وجهه؟ قلت : معي ، وأدخلت يدي إلى جيبي وأخرجت خاتما عليه محمّد وعليّ ، فلمّا قرأه استعبر حتّى بلّ طمره الّذي كان على يده ، وقال : يرحمك الله أبا محمّد إنّك زين الأمّة شرّفك الله بالإمامة وتوّجك بتاج العلم والمعرفة ، فإنّا اليكم صائرون ، ثمّ صافحني وعانقني ، ثمّ قال : ما الّذي تريد يا أبا الحسن؟
قلت : الإمام المحجوب عن العالم.
قال : وما هو محجوب عنكم ، ولكن حجبه سوء أعمالكم ، قم صر إلى رحلك وكن على أهبة من لقائه ، فإذا انحطّت الجوزاء وأزهرت نجوم السماء ، فها أنا لك بين الركن والصفا ، فطابت نفسي وتيقّنت أنّ الله فضّلني.
فما زلت أرقب الوقت حتّى حان ، وخرجت إلى مطيتي واستويت على ظهرها ، فإذا أنا بصاحبي ينادي : إليّ يا أبا الحسن ، فخرجت فلحقت به ، فحيّاني بالسلام وقال : سر بنا يا أخ ، فما زال يهبط واديا ويرقى في ذروة جبل ، إلى أن علقنا على الطائف ، فقال : يا أبا الحسن ، انزل بنا نصلّي باقي صلاة الليل ، فنزل فصلّى بنا الفجر ركعتين ، قلت : فالركعتين الاوليين؟
قال : هما من صلاة الليل واوتر فيهما والقنوت ، وكلّ صلاة جائزة ، وقال : سر بنا يا أخ. فلم يزل يهبط واديا ويرقى ذروة جبل ، حتّى أشرفنا على واد عظيم مثل الكافور ،