عمره ، وبلوى المؤمنين به من بعده في ذلك الزمان ، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم ، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم ، الّتي قال الله تقدّس ذكره : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)(١) يعني الولاية ، فأخذتني الرّقة ، واستولت عليّ الاحزان.
فقلنا : يا ابن رسول الله ، كرّمنا وشرّفنا بإشراكك إيّانا في بعض ما أنت تعلمه من علم ذلك.
قال : إنّ الله تبارك وتعالى أدار في القائم منّا ثلاثة أدارها في ثلاثة من الرسل : قدّر مولده تقدير مولد موسى عليهالسلام ، وقدّر غيبته تقدير غيبة عيسى عليهالسلام ، وقدّر إبطاءه تقدير ابطاء نوح عليهالسلام ، وجعل من بعد ذلك عمر العبد الصالح ، أعني الخضر دليلا على عمره.
فقلت : اكشف لنا يا ابن رسول الله عن وجوه هذا المعاني.
قال : أمّا مولد موسى ، فإنّ فرعون لمّا وقف على أنّ زوال ملكه على يده ، أمر باحضار الكهنة ، فدلّوه على نسبه ، وأنّه يكون من بني اسرائيل ، ولم يزل يأمر اصحابه بشقّ بطون الحوامل من نساء بني اسرائيل حتّى قتل في طلبه نيّفا وعشرين ألف مولود ، وتعذّر عليه الوصول إلى قتل موسى لحفظ الله تبارك وتعالى ايّاه.
كذلك بنو أميّة وبنو العباس ، لمّا وقفوا على أنّ زوال ملكهم والأمراء والجبابرة منهم على يد القائم منّا ، ناصبونا العداوة ، ووضعوا سيوفهم في قتل آل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله وإبادة نسله ، طمعا منهم في الوصول الى قتل القائم عليهالسلام ، ويأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة الى أن يتم نوره ولو كره المشركون.
وأمّا غيبة عيسى عليهالسلام ، فإنّ اليهود والنصارى اتّفقت على أنّه قتل ، وكذّبهم الله عزوجل بقوله : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)(٢) كذلك غيبة القائم عليهالسلام فإنّ الامّة تنكرها لطولها ، فمن قائل بغير هدى بأنّه لم يولد ، وقائل يقول : إنّه ولد ومات ، وقائل يكفر بقوله انّ حادي عشرنا كان عقيما ، وقائل يمرق بقوله : إنّه يتعدّى إلى ثالث عشر فصاعدا ، وقائل يعصي الله عزوجل بقوله : إنّ روح القائم عليهالسلام ينطق في هيكل غيره.
__________________
(١) الإسراء : ١٣.
(٢) النساء : ١٥٧.