وإمامتهما ، هذا الصدّيق الّذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته ، أما علمتم أنّ رسول الله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلّا علما منه أنّ الخلافة له من بعده ، وأنّه هو المقلّد لأمر التأويل والملقى إليه أزمة الامّة ، وعليه المعوّل في شعب الصدع ، ولمّ الشعث ، وسدّ الخلل ، وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك ، وكما أشفق على نبوّته أشفق على خلافته ، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري ، أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة إلى مكان يستخفي فيه ، ولمّا رأينا النبيّ متوجّها إلى الانجحار ، ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد ، استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر للغار للعلّة الّتي شرحناها ، وإنّما أبات عليّا على فراشه لما لم يكن يكترث به ، ولم يحفل به لاستثقاله! ولعلمه بأنّه إن قتل لم يتعذّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب الّتي كان يصلح لها.
قال سعد : فأوردت عليه أجوبة شتّى ، فما زال يعقّب كلّ واحد منها بالنقض والردّ عليّ ، ثمّ قال : يا سعد ودونكها اخرى بمثلها تخطم انوف الروافض!!
ألستم تزعمون أنّ الصدّيق المبرّأ من دنس الشكوك ، والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام كانا يسرّان النفاق ، واستدللتم بليلة العقبة ، أخبرني عن الصدّيق والفاروق أسلما طوعا أو كرها؟
قال سعد : فاحتلت لدفع هذه المسألة عنّي خوفا من الإلزام ، وحذرا من أنّي إن أقررت له بطوعهما للإسلام ، احتجّ بأنّ بدء النفاق ونشأه في القلب لا يكون إلّا عند هبوب روائح القهر والغلبة ، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد إليه قلبه ، نحو قول الله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا)(١) ، وإن قلت : أسلما كرها ، كان يقصدني بالطعن ، إذ لم تكن ثمّة سيوف منتضاة كانت تريهما البأس.
قال سعد : فصدرت عنه مزوّرا قد انتفخت أحشائي من الغضب ، وتقطّع كبدي من الكرب ، وكنت قد اتّخذت طومارا وأثبت فيه نيّفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا ، على أن أسأل عنها خبير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي
__________________
(١) غافر : ٨٥.