لقد راموا صعبا ، وقالوا إفكا ، وضلّوا ضلالا بعيدا ، ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة ، وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل وكانوا مستبصرين ، رغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله الى اختيارهم ، والقرآن يناديهم : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(١). وقال عزوجل : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(٢). وقال عزوجل : (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ* أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ* إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ* أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ* سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ* أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ)(٣). وقال عزوجل : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)(٤) أم (طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٥). أم (قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ* إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)(٦). أم (قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا)(٧) بل هو بفضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم.
فكيف لهم باختيار الإمام ، والإمام عالم لا يجهل ، وراع لا ينكل ، معدن القدس والطهارة. والنسك والزهادة ، والعلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرّسول ، وهو نسل المطهّرة البتول ، لا مغمز فيه في نسب ، ولا يدانيه دنس ، له المنزلة الأعلى لا يبلغها ذو حسب ، في البيت من قريش ، والذروة من هاشم ، والعترة من آل الرّسول ، والرّضى من الله عزوجل ، شرف الأشراف ، والفرع من آل عبد مناف ، نامي العلم ، كامل الحلم ، مضطلع بالإمامة ، عالم بالسياسة ، مفروض الطاعة ، قائم بأمر الله ، ناصح لعباد الله ، حافظ لدين الله عزوجل.
إنّ الأنبياء والأئمّة عليهمالسلام يوفّقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمته ما لا يؤتيه غيرهم ، فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله عزوجل : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُ
__________________
(١) القصص : ٦٨.
(٢) الأحزاب : ٣٦.
(٣) القلم : ٣٧ ـ ٤٢.
(٤) محمّد : ٢٤.
(٥) التوبة : ٩٣.
(٦) الأنفال : ٢١ ـ ٢٣.
(٧) البقرة : ٩٣.