غيبة صاحب الزمان كوجوب الحكمة من الله بوجوب الغيبة من الحجج المتقدمة واستتارهم ، وما هذا الجحود الظاهر منه إلّا لقلّة تمييزهم وفهمهم وعلمهم بالشرائع المتقدمة ، وقد ألزمنا الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم الإقرار بالقائم المنتظر المهديّ عليهالسلام.
قال الله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)(١) إنّ الله سبحانه قد أخبر في قصّة موسى عليهالسلام أنّه قد كانت له شيعة بأمره عارفون ، وبولايته متمسّكون ، ولدعوته منتظرون ، حيث يقول عزوجل : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ).
ولمّا أخبر الله تعالى في كتابه أنّه قد كان لموسى عليهالسلام شيعة من قبل أن تظهر دعوته ، وكانوا بأمره متمسّكين وإن لم يكونوا شاهدوا شخصه ، علمنا أنّ الحكمة من الله سبحانه ، واتفقت السنّة أهل العلم أنّ موسى عليهالسلام أظهر دعوته بعد رجوعه من عند شعيب عليهالسلام حين سار بأهله من بعد السنين الّتي كان يرعى فيها أغنام شعيب عليهالسلام ، وكان دخوله المدينة حين وجد فيها الرجلين يقتتلان قبل مصيره إلى شعيب ، وكان القائل به وبنبوّته لم يكن يعرف شخصه ، وكان يفترض على نفسه طاعته وانتظار دعوته ، ولو لا أنّ الحجج الّذين تقدّموا شريعة موسى عليهالسلام أخبروا بما يكون من ظهور موسى عليهالسلام وقتله الفراعنة والجبابرة ، لما كان فرعون يقتل أولاد بني اسرائيل من طلب موسى عليهالسلام وهو في حجره يربّيه ولا يعرفه ، ولو لم يكن في إخبارهم ما يكون من موسى عليهالسلام من الحكمة التامّة ، لأمسكوا من ذلك حتّى يظهر عليهالسلام ، وقد جاءت الروايات الكثيرة في حجج الله تعالى المتقدّمة في عصر آدم إلى زماننا هذا بأنّهم كان منهم المستخفون ومنهم المستعلنون ، ومن قبل كانت قصة ابراهيم عليهالسلام مع النمرود كقصة موسى عليهالسلام ، فإنّه بثّ أصحابه إلى طلبه ليقتله وهو كان في حال غيبته ، وكان له عليهالسلام شيعة ينتظرون ظهوره ، وإذا جاز في حكمة الله تعالى غيبة حجّة شهرا فقد جازت الغيبة سنة ، واذا جازت سنة واحدة ، جازت سنين كثيرة على ما أوجبته حكمة الله تعالى واستقامة تدبيره.
ومن المخالفين من يقولون بظهور المهديّ عليهالسلام ، إلّا انّهم يقولون إنّ الريب واقع عليهم
__________________
(١) محمّد : ٢٤.