ولا يصح إيمان عبد حتّى لا يجد في نفسه حرجا مما قضى ويسلّم له في جميع الأمور تسليما لا يخالطه شكّ ولا ارتياب ، وهذا هو الإسلام ، والإسلام هو الاستسلام والانقياد (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ)(١).
ومن أعجب العجب أنّ مخالفينا يروون انّ عيسى ابن مريم عليهالسلام مرّ بأرض كربلاء فرأى عدّة من الظباء هناك مجتمعة فأقبلت اليه وهي تبكي ، وأنّه جلس وجلس الحواريون ، فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى؟
فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال : أتعلمون أيّ أرض هذه؟ قالوا : لا ، قال : هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد ، وفرخ الحرّة الطاهرة البتول شبيه أمّي ويلحد فيها ، هي أطيب من المسك لأنّها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء ، وهذه الظباء تكلّمني وتقول إنّها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المستشهد المبارك وزعمت أنّها آمنة في هذه الأرض.
ثمّ ضرب بيده إلى بعر تلك الظباء فشمّها وقال : اللهم أبقها أبدا حتّى يشمّها أبوه فتكون له عزاء وسلوة ، وأنّها بقيت إلى أيّام أمير المؤمنين عليهالسلام حتّى شمّها وبكى وأبكى ، وأخبر بقصتها لما مرّ بكربلاء.
فيصدّقون بأنّ بعر تلك الظباء تبقى زيادة على خمسمائة سنة لم تغيّرها الأمطار والرياح ، ومرور الأيام والليالي والسنين عليها ، ولا يصدّقون بأنّ القائم من آل محمّد عليهمالسلام يبقى حتّى يخرج بالسيف فيبير أعداء الله ويظهر دين الله ، مع الأخبار الواردة عن النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم بالنصّ عليه باسمه ونسبه وغيبته المدّة الطويلة ، وجرى سنن الأوّلين فيه بالتعمير ، هل هذا إلّا عناد وجحود للحق؟ (٢)
__________________
(١) آل عمران : ٨٥.
(٢) كمال الدّين ٢ / ٥٢٩ ـ ٥٣٢.