فقد ظهر لك انّ التّباين بين الايجاب والوجوب انّما هو بحسب المفهوم فانّ الثّانى اثر للاوّل وهما متّحدان بالذّات وتعدّدهما بالاعتبار والمفهوم فالانشاء الصّادر من الأمر ايجاب بلحاظ صدوره منه ووجوب باعتبار تعلّقه بالمأمور به نظير الايجاد والموجود بالفعل فبلحاظ الموجد وهو الفاعل ايجاد وتأثير وبلحاظ الموجود وجود واثر من غير تعدّد وتكثّر فى الحقيقة أصلا والحاصل انّ الوجوب اثر الإيجاب ومن المعلوم انّ الايجاب المتّحد مع الوجوب اقتضاء وجودىّ نعبّر عنه بالإرادة المظهرة وتوضيح ذلك يحتاج الى بسط فى المقال ومحلّه مبحث اتّحاد الطّلب والإرادة ولو اردنا الولوج فى هذا المبحث لادّى الكلام فى المقام الى تطويل مملّ وتلك الإرادة المظهرة حاصلة بنفس الانشاء حصول المسبّبات بالاسباب ومدلول لهيئة الأمر فالقول بانّ الوجوب والحرمة وغيرها من الاحكام الشرعيّة المدلولة عليها بالخطابات الشرعيّة مثل الأمر والنّهى وغيرهما من الاوصاف المنتزعة من الأفعال باعتبار وجودها فى الخارج ومن الاعراض الخارجيّة لموضوعاتها كالبياض والسّواد والحركة والسّكون للجسم والحرارة للنّار ومن المعلوم لزوم اتّحاد الدالّ والمدلول فى المتعلّق فليس متعلّق الخطابات الشرعيّة الّا الموضوعات الخارجيّة اى الأفراد شطط من الكلام ولا محصّل له عند اهل التّحقيق من ذوى الأفهام إذ قد عرفت أنّ متعلّق الهيئة ليس الّا الماهيّة والّا لزم طلب تحصيل الحاصل او اعادة المعدوم وتنظير وجوب الصّلاة بحرارة النّار مثلا من باب التّنظير بالضّد لأنّ الحرارة من عوارض وجود النّار كالفرديّة والوجوب وهو طلب الايجاد من عوارض الماهيّة كالكلّية ولا مشابهة بينهما بوجه فتعلّق الوجوب الرّاجع الى الإيجاب المدلول للخطاب بالماهيّة يوجب تعلّق الخطاب الدّال عليه بها ايضا لا بالفرد وبعد ذلك كلّه تقدر أنت على دفع ما تمسّكوا به لاثبات انّ الوجوب من عوارض الذّات والفرد فانّهم استدلّوا على ذلك بوجوه أحدها عدم صحّة اطلاق الواجب والحرام على الماهيّات الذهنيّة ثانيها أنّ قولك صلّ او صم انّما ينحلّ الى قولك الصّلاة واجبة والصّوم واجب وهكذا وامثال هذه من القضايا المركّبة من الموضوعات والمحمولات الشرعيّة من باب الحمل المتعارف ومن المقرّر فى علم الميزان انّ المراد بالموضوع فى الحمل المتعارف هو الذّات وبالمحمول الماهيّة فليس المراد بالصّلاة مثلا وهو المتعلّق فى قولك صلّ الّا الذّات وهو المطلوب لانّ الذّات هو الفرد ثالثها انّ موضوع الفقه المبحوث فيه عن عوارضه هو فعل المكلّف وليس العارض لأفعال المكلّفين الّا احكامها ولا الافعال الّا الموجودات الخارجيّة وهى الأفراد ويقال فى الدّفع عنها أمّا الاوّل فقد ظهر ما فيه لمنع عدم صحّة اطلاق الواجب مثلا على الماهيّة بل هى الواجبة ليس إلّا وامّا الثّانى فبانّ الحمل المتعارف فى عرفهم هو انّ المحمول فيه اعمّ من الموضوع من غير فرق بين كون الموضوع فردا كما فى زيد انسان او كلّيا كما فى قولك الإنسان حيوان وكون الموضوع فيه ذاتا بتصريح المنطقىّ لا يستلزم كونه فردا لانّ المراد بالذّات ما يقابل الصّفة والعرض فالمراد انّ الموضوع فى الحمل المتعارف لا بدّ ان يكون