الحديث فلعلّ الترجيح بها ليس من جهة الطريقيّة بل للموضوعيّة مثل الاعدليّة ومن اين علم انّ وجه الترجيح بهذه الصّفة ليس الّا كون الخبر الموصوف بها اقرب الى الواقع قوله (موقوف على وقوع التعبّد به شرعا وهو غير واقع الّا فى الجملة) الظاهر انّ حجيّة الظّن بدليل الانسداد غير مقصود من العبارة جريا على مسلكه مع انّه قدسسره اختار فى دليل الانسداد على فرض تسليمه وتماميّته تقرير الحكومة دون الكشف وحينئذ يكون كالقطع غير موقوف على وقوع التعبّد به من الشارع وان فارق القطع من حيث انّه ليس حجّة فى نفسه بل من جهة حكم العقل دون القطع فانّه لا يقبل الجعل شرعا وعقلا بل هو منجعل فى نفسه.
قوله (فيه كشف اصلا لم يعقل فيه ان يعتبر) قدّم منّا بعض الكلام فى ذلك فى صدر الكتاب قوله (كان حكما ظاهريّا لكونه مقابلا للحكم الواقعى) اعلم انّ الحكم الواقعى عبارة عن التكاليف الواردة على متعلّقاتها الواقعيّة والمحمولات الشرعيّة المنتسبة الى تلك الموضوعات من حيث هى هى ومع قطع النّظر عن تعلّق شيء من الإدراكات المرآتيّة الّتى هى طرق لها بها بحيث لم يلاحظ الجاعل حين جعله لتلك الاحكام وايرادها على موضوعاتها تعلّق شيء من العلم او الظّن او الشّك بها ويلزمها بيّنا عدم تنجّزها وفعليّتها وترتّب الثواب والعقاب عليها الّا بعد العلم بها او الظّن المعتبر واستحالة تكليف الشّارع بخلافها مع العلم بها تفصيلا او اجمالا على الأقوى وإنّما قيّدنا الادراك بالمرآتيّ الّذى هو فى طول الواقع وطريق اليه لانّ الادراكات اذا كانت تمام الموضوع للحكم الواقعى او جزء للموضوع بحيث يكون لها تأثير فى المصلحة والمفسدة فلا جرم يختلف الحكم باختلافها واقعا والحكم الظاهرىّ هو ما يقابل الواقعى فيؤخذ فى موضوعه الجهل بالحكم الواقعى فيكون للعلم والجهل دخل فيه ويكون مرتّبا على عدم العلم بالمجعول الاوّلى ويلزمه بيّنا فعليّته وتنجّزه لتبعيّته للادراك الفعلى المتعلّق به فالحكم الواقعى متبوع للإدراك الفعلى وسابق عليه والحكم الظّاهرى تابع له ومسبوق به ويكون الإدراك فى الحكم الظاهرى كالإدراك فى الحكم الواقعى اذا اخذ تمام الموضوع او جزئه وكذا يلزمه بيّنا جواز تكليف الشارع بخلافه من حكم واقعىّ او ظاهرىّ آخر مقدّم عليه بالطّبع كتقديم الواقع على البيّنة مثلا مع العلم به والبيّنة على اليد مع وجودها واليد على الاستصحاب مع ثبوتها والاستصحاب على البراءة مع تحقّق موضوعه فانّ الاحكام الظاهريّة يتوارد بعضها على بعض فكما يتوارد عليها الاحكام الواقعيّة عند العلم بها لارتفاعها بحسب الموضوع مع العلم بالواقع فكذلك يرتفع بعضها بسبب العلم ببعض آخر مقدّم عليه بالرّتبة ورودا او حكومة وقد ظهر بما ذكرنا أنّ الحكم الظاهرى يلزمه سبق حكم مجعول عليه حتّى يرتّب جعله على الجهل بما سبقه من حكم واقعىّ اولى او واقعىّ ثانوىّ او ثالثىّ وهكذا فانّ الاحكام الظاهريّة كلّها لا يشترط فيها الجهل بالواقع خاصّة وترتّبها عليه فقط بل هى كما اشرنا اليه مختلفة