يجب العمل باحد الخبرين المتعارضين مع قطع النظر عن الواقع وعليه اى على كون حجيّتها على السببيّة لا يتمّ الوجه ايضا على الاطلاق فانّ السببيّة يقتضى ما ذكر اذا كان احد المتعارضين متضمّنا لحكم تكليفىّ كما لا يخفى ومن المعلوم انّ المصنّف لا يقول بحجيّتها على وجه السببيّة.
قوله (قد يقال بل قيل انّ الاصل فى المتعارضين) المراد بهما هو المتكافئان لا مطلق المتعارضين قوله (بل هو عنوان منتزع منها غير محكوم عليه) الوجه فى عدم كونه محكوما عليه بحكم نفس المشخّصات انّه فى الحقيقة راجع الى ما ينتزع منه وهو احد تلك المشخّصات فهو فى الحقيقة واحد منها وليس فردا آخر ورائها والمفروض الحكم بكلّ من المشخّصات بالوجوب العينى فلو حكم عليه ايضا بالوجوب العينى لزم اجتماع حكمين متماثلين فى مورد واحد وهو احد تلك المشخّصات ولا بأس بتوضيح الحال فى هذا المجال فنقول انّ منشأ التعارض بين الخبرين بل كلّ دليلين وامارتين بناء على اعتبار الاخبار او مطلق الادلّة والامارات من باب السببيّة منحصر فى عجز المكلّف من الجمع بين الخبرين او الدّليلين بحيث لو فرض محالا جمعه بينهما فى مقام العمل لكان ذلك مطلوبا فان سلوك الطريق بمعنى ايقاع العمل على طبقه على هذا التقدير يكون واجبا نفسيّا وان لم يكن فى الواقع وجوب اصلا فيكون حاله حال سائر الواجبات النفسيّة من حيث توقّف تحقّق التزاحم بين اثنين منها او ازيد على عدم امكان امتثالهما فيتوقّف التعارض بين الطريقين ح على عجز المكلّف عن ايقاع العمل على طبق كليهما معاو لا ريب انّ عجزه عن ذلك مختصّ بما اذا كان مؤدّى احدهما الوجوب العينى ومؤدّى الأخر الحرمة كذلك وامّا فى غير هذه الصّورة فلا وذلك لانّه اذا كان مؤدّى كليهما احد الاحكام الخمسة بان يكون مؤدّى كلّ منهما هو الوجوب او الحرمة او غيرهما كان كلّ منهما مؤكّدا للآخر غير مقتض لخلاف ما يقتضيه الآخر من السلوك مع أنّه إذا كان الحكم المدلول عليه بهما غير الوجوب والحرمة فلا يلزم الامتثال لانّه اذا كان هو الاستحباب او الكراهة فانّهما وان كانا مقتضيين للامتثال لكنّهما غير مقتضيين لتحتّمه اذ السّلوك المأمور به على التقدير المذكور انّما هو السّلوك على طبق الطريق على الوجه الّذى يستفاد منه لا وجوب ايقاع العمل على طبقه مطلقا ومن المعلوم انّ الاستحباب والكراهة لا يقتضيان ذلك واذا كان هو الاباحة فعدم الامتثال واضح فانّها غير مقتضية لاصل ايجاد العمل فكيف بتحتّم الامتثال واذا كان مؤدّى كلّ منهما حكما مغايرا لمؤدّى الأخر مع عدم كون احد الحكمين الوجوب العينى والأخر الحرمة كذلك فلأنّ احدهما لا محالة لا يقتضى تحتّم الامتثال والمتحتّم عليه فيما اذا كان احدهما مقتضيا لتحتّم الامتثال كما اذا كان مؤدّى احدهما فقط هو الوجوب العينى ليس الّا امتثال أحدهما فظهر أنّ التعارض بين الخبرين بناء على اعتبار الاخبار من باب السببيّة انّما يتحقّق فى صورة واحدة وهو كون مؤدّى احدهما الوجوب العينى ومؤدّى الأخر الحرمة كذلك وهذا بناء على القول بكونها اسبابا لوجوب تطبيق العمل عليها مطلقا وامّا على القول بكونها اسبابا لوجوب العمل