ان يتصوّر اوّلا ذلك الشّيء ويعلم بما فيه من الجهة المقتضية للحكم من المصلحة او المفسدة او خلوّه عنهما او استوائهما فيه الّذين يقتضيان الإباحة ثمّ يحكم عليه بما يقتضيه تلك الجهة من الاحكام الخمسة فاذا فرض حكمه على شيئين بحكمين فاللّازم منه بالنّسبة اليه انّما هو تقدّم التصوّر على حسب تعدّد الجهة المقتضية لهما وتعدّد العلم ومن المعلوم انّه لا تنافى بين التصوّرين ولا بين العلمين بوجه فلا يلزم من اجتماع اثنين من تلك الاحكام الخمسة بالنّسبة اليه محذور أصلا فإن قيل انّ فى مقام الحكم واسطة اخرى بين الحكم والعلم بالجهة المقتضية له وهى الإرادة او الكراهة النّفسانيّتان او الرضا بطرفى الفعل والترك على حدّ سواء فانّ الحاكم اذا تصوّر الفعل وتصوّر ما فيه من الجهة فان كانت تلك الجهة هى المصلحة الملزمة فينشأ منها فى نفسه ارادة حتميّة للفعل من المحكوم ثمّ ينشأ من تلك الإرادة الحكم عليه بالوجوب وان كانت هى المصلحة الغير الملزمة فينشأ منها فى نفسه ارادة غير بالغة الى مرتبة الحتم بحيث يجتمع مع الرّضا بالتّرك ثم ينشأ من تلك الارادة الحكم عليه بالاستحباب وان كانت هى المفسدة الملزمة فينشأ منها فى نفسه كراهة حتميّة للفعل ثمّ ينشأ من تلك الكراهة الحكم عليه بالحرمة وان كانت هى المفسدة الغير الملزمة فينشأ منها فى نفسه كراهة للفعل غير بالغة حدّ الحتم ثمّ ينشأ منها الحكم بالكراهة والنّهى عنها تنزيها وان كانت هى خلوّه عن المصلحة والمفسدة رأسا واستوائهما فيه فينشأ منها فى نفسه الرّضا بطرفى الفعل والتّرك على حدّ سواء فينشأ منه الحكم عليه بالإباحة ومن الواضح أيضا ثبوت التّضاد بين الإرادة والكراهة وكذا بين كلّ منهما وبين الرّضا بطرفى الفعل والتّرك على حدّ سواء وكذا بين كلّ مرتبة من كلّ منهما وبين المرتبة الاخرى منه فيلزم من ايراد الحاكم حكمين من تلك الاحكام على شيء واحد اجتماع الضدّين فى نفسه قلنا إنّ توسّط الإرادة او الكراهة او الرّضا مسلّم فيما اذا كان الحاكم غير الله سبحانه وامّا اذا كان هو سبحانه فغير معلوم بل ذهب جمع من محقّقى المتكلّمين الى انّ معنى كونه تعالى مريدا انّما هو علمه بالأصلح بحال العباد والغرض انّما هو رفع التّنافى بين احكامه تعالى وعلى تسليم توسّطها فى حقّه تعالى ايضا نقول انّها وان كانت مضادّة لكنّها كسائر الامور المتضادّة انّما يمتنع اجتماع اثنين منها اذا كان موردهما متّحدا وامّا مع تعدّده وتغايره فلا ومواردها فى محلّ الكلام متعدّدة ومتغايرة فانّ متعلّق كلّ منهما انّما هو العنوان المتضمّن له فمتعلّق الإرادة والكراهة بعينه هو متعلّق المصلحة والمفسدة كما انّ متعلّق كلّ من الحكمين انّما هو العنوان المتضمّن للجهة الدّاعية اليه فانّ كلّا من المصلحة والمفسدة انّما يدعو الى ارادة ما تضمّنها او كراهته والى طلبه او طلب تركه ونحن لمّا فرغنا عن تعدّد مورد المصلحة والمفسدة فى المقام السّابق فلا يرد علينا محذور من جهة اجتماع الارادة والكراهة بالنّسبة الى المكلّف بالكسر فى هذا المقام والحاصل