(وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) يطير صوابه وتنهار أعصابه.
٥٠ ـ (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي) حق لازم ، ولا فضل لأحد عليّ ، لأني أملك كل المؤهلات والكفاءات لهذا الغنى والخير الذي أنا فيه! وما من شك أن هذا كافر إلا أن يستثني ويقول : لا فضل عليّ إلا لله (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) فيه إيماء إلى أن الغنى قد يؤدي بالمرء إلى إنكار البعث (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي) وإن صحّ أن هناك نشرا وحشرا فمكانتي مضمونة عند الله ، لأن العظيم عظيم أينما كان ويكون ، وإذا لم يكن لهذا المغرور الكفور إلا هذه الغطرسة لكفى بها جرما وجريمة ، وتقدم في الآية ٣٢ ـ ٤٤ من الكهف (فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا ...) كل الأقوال والأفعال والمقاصد هي في علم الله ، دقيقها وجليلها ، خيرها وشرها ، وبمثلها وقدرها يكون الثواب والعقاب.
٥١ ـ (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ ...) إن استغنى بطر وفتن ، وإن افتقر قنط ووهن كما قال الإمام عليّ (ع) وتقدم مرارا ، منها الآية ٩ وما بعدها من سورة هود.
٥٢ ـ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) قل يا محمد للذين كذبوا بالقرآن : أخبروني ما ذا يكون حالكم ومآلكم لو كان القرآن حقا من عند الله؟ ألستم عندئذ مخالفين للحق مكابرة وعنادا ٥٣ ـ (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ) أي في أشياء الكون كله أرضا وسماء (وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ) أي القرآن هو (الْحَقُ) يقوم منهج القرآن للرد على خصومه ومخالفيه ـ على أمرين : الأول النظر إلى الشيء المختلف فيه نظرة موضوعية مجردة عن التقليد وكل رأي سابق كما جاء في آيات التقليد للآباء والأجداد ـ الثاني الاعتماد على منطق الحس والعقل سلبا وإيجابا ، وعلى هذا الأساس قال لعبدة الأصنام : إنها لا تنفع ولا تضر ، ولمن ألّه الكواكب : إنها تأفل وتغيب ، وللمشركين : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ، ولمن قال : البعث محال : من أوجد النشأة الأولى يوجد الثانية ، أما الذين أنكروا وجود الله سبحانه فقد وعدهم أن يكشف لهم عن الأدلة الناطقة بوجوده في أنفسهم بالذات ، وفي أشياء الكون بأرضه وسمائه ، وصدق بوعده حيث اهتدى العلماء قديما وحديثا في الكون والإنسان إلى قوانين وسنن وحقائق لا يمكن ويصح تفسيرها إلا بوجود الله ، لأن الفكرة المضادة حماقات ، وأشرنا إلى ذلك مرارا فيما سبق ، ووضع العلماء فيه كتبا خاصة ، ومنها على سبيل المثال : الله يتجلى في عصر العلم ، والعلم يدعو إلى الإيمان ، والدين في مواجهة العلم.
(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أودع سبحانه في كل شيء آية ظاهرة واضحة تدل على أنه واحد.
٥٤ ـ (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) يقول سبحانه الذين يرتكبون القبائح والمحرمات ، ولا يشعرون بالمسؤولية وسوء العاقبة هم الذين يشكون في كل حق ، وإن قام عليه ألف دليل ودليل ، وقد هدد سبحانه هؤلاء بقوله : (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) ومنه كتاب المجرمين الذي لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها.