ثالثهما : أن يكون الاضطرار بعد العلم الإجمالي بزمان يتمكن فيه من الامتثال ففي هذه الصورة اختلفت الآراء والأقوال.
ذهب الشيخ الأعظم قدسسره إلى أنّ الظاهر وجوب الاجتناب عن الآخر لأنّ الإذن في ترك بعض المقدمات العلمية بعد ملاحظة وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعي يرجع إلى اكتفاء الشارع في امتثال ذلك التكليف بالاجتناب عن بعض المشتبهات (١) وهذا هو المختار.
ولكنّ أورد عليه في الكفاية بما حاصله مع توضيح ما أن عدم الاضطرار من شرائط التكليف شرعا ولا فرق في شرطية عدم الاضطرار شرعا السبق واللحوق والحدوث والبقاء فكما أنّه إذا علم إجمالا بثبوت خطاب مردّد بين المضطر إليه وغير المضطر إليه فلا أثر له لعدم العلم بالتكليف الفعلي على أي تقدير.
فكذلك إذا علم اجمالا بمثله بقاء لا حدوثا فإنّه لا علم له بتكليف فعلي على أي تقدير بقاء من أوّل الأمر بل له العلم به إلى حدّ الاضطرار.
وبعبارة أخرى أنّ التكليف محدود شرعا بحصول الاضطرار إلى متعلقه وعليه فيما بعد الاضطرار لا يعلم بثبوت التكليف على كلّ تقدير ومعه ينفى التكليف المشكوك بالأصل ولأجل ذلك يختلف الاضطرار عن صورة فقد أحد الأطراف لأنّ الفقدان ليس من حدود التكليف شرعا فالتكليف في صورة الفقدان مطلق في كلا الطرفين (٢).
يمكن أن يقال : إنّ مع فرض تسليم كون الاضطرار حدا شرعيا بحيث إذا عرض الاضطرار ارتفع أصل الحكم واقعا لا فعلية الحكم وثقله مع بقاء أصله كما ربما يستظهر ذلك من بعض الروايات الخاصة كموثقة أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا فيسجد عليه؟ فقال لا إلّا أن يكون مضطرا ليس عنده غيرها وليس شيء ممّا حرم الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطر إليه (٣).
__________________
(١) فرائد الاصول / ص ٢٥٤.
(٢) راجع الكفاية / ج ٢ ، ص ٢١٦ ـ ٢١٨.
(٣) الوسائل / الباب ١ من أبواب القيام ، ح ٧.