وموضوعية مفادها أن يعرف المرء أولاً وقبل كل شيء قدر نفسه ومنزلتها ، ولا يرتفع بها فوق مقامها ، كي لا يلام على ذلك ، وقد يكون عِرضةً للسخرية والاستهزاء. وأن لا يحبّ لنفسه ما لا يحبّ لغيره ، بل عليه أن يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه ، إضافة إلى ذلك يشير إمامنا إلى بُعد أبعد للتواضع فيه جنبة اجتماعية ، ويتمثّل بدرأ السيئة بالحسنة ، وكظم الغيظ والعفو عن الناس.
هذا على صعيد الفكر أمّا على صعيد العمل فنجده في سلوكه عليهالسلام يتواضع إلى الدرجة القصوى في تعامله مع الناس ، ومن الأمثلة الحية على مقدار تواضعه ، أنه دخل الحمام ، فقال له بعض الناس : دلّكني يا رجل ، فجعل يدلّكه ، فعرّفوه ، فجعل الرجل يستعذر منه وهو عليهالسلام يُطيب قلبه ويدلكه (١).
فهو يرى أن الشرف والكرامة تتحقّق من خلال القيم والمقاييس المعنوية المتمثلة بالتقوى والطاعة لله تعالى وليس من خلال القيم والمقاييس المادية المتمثلة بالحسب والنسب ، أو المال والقدرة وما إلىٰ ذلك.
وكان عندما يكيلون له أو لآبائه عليهمالسلام المديح والثناء يتواضع جداً ويكشف لهم عن المفهوم القرآني للشرف والخيرية المتمثّل بالتقوىٰ :
عن محمد بن موسى بن نصر الرازي ، قال (٢) : سمعت أبي ، يقول : قال رجل للرضا عليهالسلام : والله ما على وجه الأرض أشرف منك أبا ، فقال عليهالسلام : « التقوىٰ شرفتهم ، وطاعة الله أحظتهم » ، فقال له آخر : أنت والله خير
________________
(١) المناقب ٤ : ٣٩.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٢٦١ ، ح ١٠ ، باب (٥٨).