فأدرك أن نتائج المعالجة القمعية للشيعة لم تقتصر على الفشل فقط ، وإنما كانت تغذّي الاتجاهات الثورية الرافضة للحكم العباسي بمزيد من المبررات للانتشار والاستمرار ، وعليه فالمعالجة القمعية غير مجدية بل تزيد نار الخلاف تأججاً ، من هنا أوقف عمليات المطاردة والإبادة ضدهم وعمل على تصفية الجو المتوتر الذي خلّفته سياسة أبيه معهم ، كما أنه أراد القضاء على تذمر العلويين وإيقاف ثوراتهم المستمرة ، وتصاعد مسلسل التطبيع معهم حتى بلغ ذروته بمبايعة الإمام الرضا عليهالسلام زعيم العلويين بولاية العهد ، وقد اوحى المأمون بانتقال السياسة العباسية إلى مدار جديد يعيد فيه الحق إلى نصابه. وعليه فالعامل السياسي يعد من أقوى العوامل في تفسير التحول الذي أحدثه المأمون في السياسة العباسية مع المعارضة العلوية.
يقول العلامة المجلسي : أن المأمون كان أوّل أمره مبنياً على الحيلة والخديعة لإطفاء نائرة الفتن الحادثة من خروج الأشراف والسادة من العلويين في الأطراف ، فلمّا استقر أمره أظهر كيده (١).
ومما يعزز ذلك أن عهد المأمون قد حفل بكثير من حركات العلويين ، وكانت الحركة الشيعية تزداد انتشاراً حتى دب التشيع في أركان الدولة ، من هنا أحس المأمون بأن الخطر قد أحدق به ، فحاول الإمساك بزمام الأمور في اللحظة الحرجة التي كان يواجهها من تعاظم قوة العلويين ، في مقابل الانقسام الخطير في صفوف العباسيين ، فوجد من الحكمة أن يتقرب من العلويين وبلغ تقربه ذروته باستدعاء الإمام
________________
(١) انظر : بحار الأنوار ٤٩ : ٣١٣.