ولم يكتف بهذا المد للأمويين ، وبهذا الاحسان الذي أسداه إليهم فقد فتل حبل الشورى الذي انتج فوزهم بالخلافة وتلاعبهم بمقدرات الأمة وامكانياتها ، وجر الخطوب والويلات لها ، وانتهاك كرامة النبي (ص) في عترته وذريته.
ولما استولى الامويون على زمام الحكم كان هدفهم طوي هذا الدين ، وقلع جذوره ، ومحو سطوره ، وابادة معالمه وآثاره ، ولو لا فيض عارم في مبادئه ، وقوة كامنة في طاقاته ، وتضحيات العلويين لانتشاله ، وعناية قبل كل شيء فيه من الله تعالى لا صبح الاسلام معدوم الأثر من دنيا الوجود لأنه حينما استتب لهم الأمر وصفا لهم الجو ظهر مدى حقدهم البالغ على الاسلام ، وظهرت رغباتهم فى الملك والسلطان فكانوا لا يفكرون الا بذلك ولا يحلمون الا بأن تكون دولة المسلمين العوبة بأيدي ابنائهم وصبيانهم ، وقد ادلى بذلك أبو سفيان بكلمته التي القاها أمام أسرته وذويه قائلا لهم :
« يا بني أمية ، تلاقفوها تلقف الكرة فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار وما زلت أرجوها لكم ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة » (١).
قال هذه الكلمة أبو سفيان : بمرأى ومسمع من عثمان وهي صريحة في ارتداده وظاهرة في الحاده والواجب الشرعي يحتم على عثمان أن يقيم عليه الحد باعتباره خليفة المسلمين ، وهو مسئول عن تنفيذ احكام الدين وتطبيق حدوده ولكنه اعار ذلك أذنا صماء ، واهمل ما وجب عليه.
وحينما نشبت اظفار معاوية بالملك اتضح عداؤه السافر للاسلام والمسلمين ، وقد برز ذلك في أقواله وأعماله واتجاهاته فقد خطب في النخيلة وكانت نشوة الظفر عليه بادية فقال :
« يا أهل العراق ، والله إني ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ،
__________________
(١) مروج الذهب ١ / ٤٤٠.