أهل المحاورة ، ولا شكّ في أنّ أهل المحاورة لا يفرقون في توجيه الخطاب وألفاظ المخاطبة بين البالغين ومن كان عمره أقلّ من عمر البالغ بساعة. بل يخاطبونهم على نسق واحد وبلفظ واحد ، فدعوى أنّ العمومات لا تشمل غير البالغين ، أو تكون منصرفة عنهم مجازفة محضة وبلا دليل ولا برهان.
وأمّا حديث رفع القلم الذي هو عمدة دليل القائلين بعدم شرعيّة عبادات غير البالغين ، فالإنصاف أنّه في مقام الامتنان واللطف والرأفة والرحمة ، فلا يدلّ على أزيد من رفع الإلزام. مثل قاعدة الحرج عند المشهور ، فإنّهم يقولون : ببقاء الملاك وارتفاع الإلزام والوجوب للامتنان ، ولذلك يقولون : لو تحمّل الحرج وأتى به يكون صحيحا ومجزيا.
وأمّا عدم إجزاء حجّ الصبي عن حجّة الإسلام ، فلعلّه لخصوصيّة في حجّة الإسلام لا تحصل تلك الخصوصيّة إلاّ بأن يكون بالغا ، كما أنّه في اشتراط الحرّيّة أيضا كذلك ، فليس من جهة عدم مصلحة وملاك في حجّ غير البالغين كما توهّمه هذا القائل.
ولكن ربما يرد ها هنا إشكال ، وهو أنّه لا شكّ في أنّ مفاد حديث رفع القلم هو رفع الوجوب عن غير البالغين ، فإذا ارتفع الوجوب فلا دليل على استحباب ذلك الفعل ، لأنّ دليله كان مفاده الوجوب وهو ارتفع على الفرض ، فما الذي يدلّ على استحبابه في مقام الإثبات؟ وإن لم يكن دليل على عدم استحبابه أيضا ولكن صرف عدم الدليل على عدم استحبابه لا يكفي في الحكم باستحبابه ، فإثبات الاستحباب لا طريق إليه.
وفيه أوّلا : أنّه ربما يقال بأنّه يمكن إثباته بالاستصحاب ، بأن يقال بأنّ القدر الجامع بين الواجب والمستحب وهو مطلق الطلب وجد ، وبارتفاع الوجوب يشكّ في بقاء الجامع لاحتمال بقائه في ضمن الطلب الاستحبابي.
وفيه : أنّ هذا الاستصحاب من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي ،