ولكن القرائن المقاميّة تدلّ على أنّ المراد منها هو خصوص الأحكام الإلزاميّة ، كالوجوب والحرمة ، لا مطلق الأحكام لكي يشمل الاستحباب والكراهة ، بل الإباحة الشرعيّة ، وذلك لما ذكرنا من أنّه تبارك وتعالى في مقام الرحمة والرأفة بالعباد ، وأنّ الصبيّ غير البالغ غالبا لا يميّز بين الضرر والنفع ، ولا يعتني بأنّ ترك الواجب وفعل الحرام مجلبة للضرر. لقصور عقله ، أو لغلبة شهواته الحيوانيّة.
ولذلك رفع المؤاخذة والعقاب عنه برفع منشئهما ، وهو الحكم الإلزامي ، أي الوجوب والحرمة.
وأمّا الروايات في عدم جواز أمره حتّى يحتلم (١). وأيضا ما ورد من أنّ عمده خطأ فأجنبيّ عن هذا المقام ، لأنّ الطائفة الأولى راجعة إلى عقوده وإيقاعاته ، وسائر معاملاته وإن لم يكن يعقد أو إيقاع ، كمعاملاته المعاطاتيّة. والطائفة الثانية راجعة إلى باب الجنايات ، لأنّها ظاهرة فيما يكون لعمده حكم ولخطائه حكم ، فقال عليهالسلام في رواية إسحاق بن عمّار : « عمد الصبيان خطأ » (٢) أي حكم المترتّب على ما صدر عنه عمدا هو حكم هذا الفعل لو كان يصدر من البالغ خطا ، ولذلك قال عليهالسلام بعد هذه الجملة جملة أخرى ، وهي قوله عليهالسلام : « يحمل على العاقلة ». فالقول بعدم مشروعيّة عبادات غير البالغين لا أساس له ، وإن كان يظهر من جماعة من أعاظم الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
وأمّا مدرك القول الثالث وهو أنّها شرعيّة لا من حيث عناوينها الأصليّة ، أي ليست الصلاة مثلا مشروعة ومستحبّة من حيث أنّها صلاة ، وكذلك في الصوم والحجّ وسائر العبادات الواجبة ليس مشروعيّتها من تلك العناوين أنفسها ، بل من حيث
__________________
(١) « الكافي » ج ٧ ، ص ١٩٧ ، باب حد الغلام والجارية اللذين يجب عليهما الحد تماما ، ح ١ ، « السرائر » ج ٣ ، ص ٥٩٦ ، المستطرفات ، « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٢٦٨ ، ح ٢٢٧٥٠ ، أبواب عقد البيع ، باب ١٤ ، ح ١.
(٢) « تهذيب الأحكام » ج ١٠ ، ص ٢٣٣ ، ح ٩٢١ ، في باب ضمان النفوس وغيرها ، ح ٥٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٩ ، ص ٣٠٧ ، ح ٣٥٨٣٥ ، أبواب العاقلة ، باب ١١ ، ٣.