ـ ومفعوله ـ أي الشيء ـ كما تقول : ملأت الكوز من النهر ، فالمراد أنّ ما ملأ الكوز بعض ماء النهر ، وليس كلمة « من » في هذا المثال مستعملة في بعض ماء النهر ، بل استعملت في الربط التبعيضيّة الذي بين قوله « ملأت » و « ماء النهر » وهكذا الأمر في المقام ، فكلمة « من » استعملت في الربط الكذائي بين الإتيان والشيء ، وإذا كان المراد من الشيء باعتبار كونه مصداقا للجامع بين الكلّ والكلّي هو الكلّ ، فيكون مصداق تلك النسبة هي الربط التبعيضية في الأجزاء ، وإذا كان المراد بذلك الاعتبار هو الكلّي فيكون المصداق هو الربط المذكور في المصاديق والأفراد ، وإن كان المراد هو الجامع فيشمل كلا الأمرين كما فيما نحن فيه.
والإنصاف : أنّه لو لم يكن المورد من قبيل الكلّي والأفراد لكان مقتضى فهم العرفي ـ الذي هو الميزان في استظهار المعاني من الأحاديث والروايات ، بل الآيات أيضا وعليه مدار الفقاهة ـ هو أنّ المراد من « الشيء » الكلّ ، بقرينة كلمة « من » الظاهرة في التبعيض.
ولكن حيث أنّ المورد ليس من قبيل الكلّ والأجزاء ، فلا بدّ وأن نقول بأنّ المراد منه هو الأعمّ من الكلّ والكلّي لكي يندرج فيه المورد ويخرج من الركاكة.
هذا مع أنّه لو قلنا بمقالة صاحب الكفاية قدسسره في المعاني الحرفيّة ـ من أنّ الموضوع له في الحروف والأسماء واحد كلّ لمرادفه ، (١) فيكون في المقام كلمة « من » بمعنى البعض الذي هو مفهوم اسميّ أيضا ـ لا يرد شيء على ما استظهرنا من الحديث من أنّ مفاده اعتبار هذه القاعدة.
وذلك من جهة أنّ لفظ « البعض » أيضا مفهومه مشترك بين بعض الأجزاء وبعض الأفراد ، فلو كانت ألفاظ الحديث هكذا : إذا أمرتكم بمركّب ذي أجزاء أو بطبيعة ذات أفراد فأتوا بعضهما الذي تحت استطاعتكم وقدرتكم. والمفروض أنّ ذلك
__________________
(١) « كفاية الأصول » ص ١١ ـ ١٢.