من هذا.
ولكن كلّ ما ذكرنا ـ بالنسبة إلى عدم إمكان إحراز موضوع قاعدة الميسور في المهيّات المخترعة عن قبل الشارع ـ كان فيما إذا كان المراد من كلمة « الميسور » في الرواية المذكورة الميسور من المركّب المأمور به. وأمّا إذا كان المراد منه الميسور من أجزائه لا نفس المركّب ، فلا يأتي هذا الإشكال ، لأنّ الميسور من الأجزاء أمر عرفي يفهمه كلّ أحد ، فالمركّب عن عدّة أمور لو تعذّر بعض أجزائه ، فالباقي من الأجزاء الذي تحت قدرته وهو متمكّن من إتيانه يصدق عليه أنّه الميسور من أجزاء ذلك المركّب ، سواء صدق عليه عنوان ذلك المركّب أو لم يصدق.
نعم يبقى الكلام في أنّ المراد من الميسور في مقام الإثبات هل هو ميسور المركّب أو الميسور من الأجزاء؟
والإنصاف أنّ لفظ « الميسور » وإن كان مطلقا من هذه الجهة ، لأنّ كلّ واحد منهما يصدق عليه الميسور ، ولكن إرادة الميسور من الأجزاء منه بعيد جدّا ، لأنّ الميسور من الأجزاء يصدق على جزء واحد من المركّب الذي يكون أجزائه عشرين مثلا وتعذّر تسعة عشر منها وبقي واحد منها تحت التمكّن ، فيقال وجوب هذا الواحد لا يسقط بتعذّر باقي الأجزاء ، فهذا في غاية البعد من ظاهر هذا الكلام.
وأمّا الثالث : أي قوله عليهالسلام : « ما لا يدرك كلّه لا يترك كله » فدلالته على هذه القاعدة في غاية الوضوح ، لأنّ ظاهر هذا الكلام أنّ الشيء الذي لا يمكن الإتيان بجميعه لا يجوز ترك جميعه ، بل يجب الإتيان بالمقدار الذي يمكنه أن يدركه ويكون تحت قدرته. وأمّا احتمال أن يكون المراد من الموصول خصوص الكلّي ـ باعتبار أفراده المتعدّدة كي يكون المعنى : أنّ من لا يمكنه إدراك جميع أفراد الطبيعة التي أمر بها لا يجوز له ترك جميع تلك الأفراد ، بل يجب عليه أن يأتي بالمقدار المقدور منها ـ لا وجه له أصلا ، لأنّ ظهور جملة « ما لا يدرك كلّه » في الكلّ أقوى من ظهورها في خصوص