كان كشفا ناقصا ، وإلاّ فالشيء الذي في حدّ نفسه ليس فيه جهة الكاشفيّة أصلا ، لا يمكن جعله كاشفا في عالم الاعتبار التشريعي ، إذ الكاشفيّة أمر تكويني لا توجد إلاّ بأسبابها التكوينيّة ، وذلك مثل رافعيّة شرب الماء للعطش ، فإنّه أمر تكويني لا يمكن جعله لشيء ليس رافعا للعطش أصلا ، وبالجعل في عالم الاعتبار والتشريع لا ينجعل.
ولذلك قلنا هناك إنّ معنى تتميم الكشف في باب جعل الأمارات ليس أن يضمّ الجاعل مقدارا من الكشف في عالم الاعتبار إلى ذلك المقدار الناقص الذي لذلك الشيء موجود كي يصير المجموع كشفا تامّا ، بل المراد منه أنّ الشارع يرى ذلك المقدار من الكشف الناقص ـ الموجود في ذلك الشيء في حدّ نفسه في عالم الاعتبار التشريعي ـ كشفا تامّا ومثبتا لمؤدّاه وطريقا إليه.
ثانيهما : أن يكون نظر الجاعل في مقام جعل الحجّية للأمارة إلى تلك الجهة من الكشف الموجود فيه في حدّ نفسه ، وإلاّ فبصرف الأمر بالعمل به والتعبّد بمؤدّاه لا يصير ذلك الشيء أمارة ، بل يمكن أن يكون أصلا عمليّا في عالم الجعل التشريعي مع وجود تلك الجهة من الكشف فيه تكوينا ، فأماريّته متوقّفة على أن يكون جعل حجّيته بلحاظ تتميم ذلك الكشف الناقص الموجود فيه تكوينا في عالم التشريع والاعتبار.
إذا عرفت هذا فنقول : لا شكّ في أنّ كون اللحم أو الجلد الذي في سوق المسلمين يباع ، فيه جهة كشف عن أنّه مذكّى ، لأنّهم غالبا لا يقدمون على بيع لحم الميتة أو جلده ، ووقوعه في بعض الأوقات من بعض الأفراد وإن كان لا ينكر ، ولكن هذا المقدار القليل لا يمنع عن حصول الظنّ بكونه من المذكّى ، لغلبة وجود هذا القسم مقابل القسم الآخر.
وأيضا لا شكّ في أنّ سيرة المتديّنين من الصدر الأوّل في دخولهم الأسواق واشترائهم اللحوم والجلود بلحاظ أنّ كونها في أسواق المسلمين تباع ، يكشف عن