أيضا يفيد معنى التحبيس أو الحبس عن النقل والانتقال ، ولكن حيث أنّه ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ يعتبر في صحّة الوقف قصد القربة ، وأيضا صرف حبس المال من دون تسبيل الثمرة أو المنفعة لغو ، فلذا يكون أخصّ من مطلق الحبس ، وإلاّ فلا فرق بين أن يقال وقفته وأوقفته ووقّفته ـ بالتضعيف ـ وبين أن يقال : حبّسته وأحبسته وحبّسته بالتضعيف.
فالوقف المصطلح عند الفقهاء وعند الشرع ـ وإن كان استعماله في لسان الشرع قليلا ، ويعبّر عنه في لسان الشرع غالبا بالصدقة ، غاية الأمر مقيّدة بالعناوين التي ذكرناها ـ هو حبس الأصل وتسبيل الثمرة ، كما عرّفه الفقهاء بهذا. والمراد من التسبيل هو جعلها في سبيل الله.
وما ذكرنا كان لشرح حقيقة الوقف وماهيّته ، وإلاّ فتعاريف الفقهاء لموضوعات الأحكام غالبا تكون تعاريف لفظيّة ، تكون بالأعم تارة ، وبالأخصّ أخرى ، لا طرد ولا عكس لها.
ثمَّ إنّه لا شكّ في أنّ هذا المعنى الذي ذكرنا للوقف ليس أمرا تكوينيا ، كحبس إنسان ، أو حيوان في الخارج ، فإنّه لا يحصل إلاّ بأسباب خارجيّة ، بل هو اعتبار عرفي أو تشريعي لا يوجد إلاّ بالإنشاء ممّن له أهليّة هذا الإنشاء.
وإذا كان الأمر كذلك فربما يعتبر الشارع أو العرف ـ بناء على كون هذا المعنى عندهم قبل شرعنا ـ أمورا في جانب العقد والوقف والواقف والموقوف والموقوف عليه ، كما أنّه ظاهرهم الاتّفاق على لزوم كون الإنشاء بالصيغة.
ثمَّ يقع الكلام في أنّه عقد يحتاج إلى القبول ، أو لا يحتاج مع أنّه عقد ، أو لأنّه إيقاع ، وكما أنّه شرط الشارع في طرف المنشئ أن يكون عاقلا بالغا مالكا غير ممنوع التصرّف بحجر من فلس أو سفه وأمثال ذلك ، وكما أنّه شرط في جانب المنشأ أيضا أمورا نذكرها إن شاء الله تعالى.