في وجوه البرّ ، أو يرجع إلى المالك ، أو يصير مباحا لكل أحد كالمباحات الأصليّة؟ وجوه.
فالذي يقول برجوعه إلى المالك إن كان وإلاّ إلى ورثته ، فبنى كلامه على أنّه من قبيل وقف منقطع الآخر ، فأمّا أن لا يخرج من ملك المالك أبدا ، لأنّه مثل الحبس عبارة عن تسبيل ثمرته مدّة بقاء الموقوف عليه ، فإذا وقع التلف على الموقوف ، فلا يبقى موضوع للتسبيل ، فقهرا ترجع المنفعة إلى مالك العين الذي هو الواقف ، ومنه إلى ورثته.
وأمّا القولان الآخران فمبناهما أنّ بالوقف يخرج عن ملك المالك ، فالذي يقول بأنّه يصرف في وجوه البرّ يقول وإن كان الموقوف يخرج عن ملك الواقف ، ولكن غرضه من هذا الإخراج صرف منافعه في ما هو البرّ عند الله تعالى ، ويكون موجبا للأجر والثواب ، ولكن عيّن ما هو البرّ في نظره بموضوع خاصّ ، فإذا ارتفع ذلك الموضوع الخاصّ الذي رجّحه على سائر مصاديق البرّ فيفقد تلك الخصوصيّة المرجّحة ، ولكن صرفه في أصل البرّ ممكن فيجب ، لأنّه بعض مطلوبه بل أصل مطلوبه ، ولم يفقد ممّا أراد إلاّ تلك الخصوصيّة المرجّحة.
بل يمكن أن يقال : إنّ المنشأ ينحلّ إلى طبيعة البرّ وتلك الخصوصيّة المرجّحة ، وليس من قبيل صرف الغرض كي تقول في باب العقود لا أثر للغرض ما لم يقع المراد والمقصود تحت الإنشاء ، ففي الحقيقة أنشأ تسبيل منفعة هذه العين الموقوفة على البرّ الذي هو المسجد أو المدرسة مثلا ، فإذا تعذّرت الخصوصيّة وأمكن صرفه في الجامع بين هذا المصداق وسائر المصاديق يجب العمل به ، لمكان ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) بمقدار ما أمكن.
وليس الجامع بين هذا المصداق وسائر المصاديق معنى جنسيّا حتّى تقول ينعدم الجنس بانعدام الفصل ، بل هو معنى متحصّل نوعيّ كسائر الطبائع والمهيّات النوعيّة ،