الحكم بحيضيّة إحدى الصفرتين ، لاحتمالهما الحيضيّة كما هو ظاهر ، كما أنّه إذا كان أحدهما واجداً للصفات دون الآخر يتعيّن الحكم بحيضيّة الواجد للصفات ، لأنّها أمارات الحيض. هذا كلّه فيما إذا لم تكن المرأة ذات عادة عدديّة ، فإنّها تميز الحيض بالصفات.
وأمّا ذات العادة العدديّة فلا يمكن نفي الحيضيّة عن الدمين في حقّها ، بل لا بدّ من أن تجعل عدد أيّامها حيضاً ، لما دلّ من الأخبار على أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله سنّ في ذات العادة العدديّة أن ترجع إلى عدد أيّامها إذا كانت مستحاضة أي مستمرة الدم وتجعل الباقي استحاضة (١) ، وهذا كلّه ممّا لا شبهة فيه.
وإنّما الكلام فيما إذا كان كلاهما واجداً للصفات ، فهل يحكم بحيضيّة الدم الأوّل دون الثّاني ، أو يحكم بالتخيير بينهما كما في المتن ، أو لا يحكم بحيضيّة شيء منهما للتعارض وهو يقتضي التساقط؟ وذلك لعدم إمكان الحكم بحيضيّة الجميع ، لاستلزامه كون الحيض زائداً عن العشرة ، فإذا لم يقم دليل خاص على حيضيّة أحدهما فلا يمكن أن يتمسّك بعمومات أدلّة الحيض وإطلاقاته فيهما معاً لما عرفته من المحذور ولا في أحدهما المعيّن دون الآخر لأنّه بلا مرجح ، ولا في أحدهما لا بعينه كما بيّناه في محلّه ، وهو معنى التساقط بالمعارضة ، فلا يحكم بحيضية هذا ولا ذاك.
الصحيح الحكم بحيضيّة الدم الأوّل دون الأخير ، وذلك لما بيّناه في التعارض المتوهم بين الأصل السببي والمسببي من أنّ الأصل الجاري في السبب مقدّم على الأصل في المسبب ، لأنّه يرفع موضوع الشكّ المسببي ولا معارض له في نفيه ، حيث إنّ أدلّة الأصل الجاري في المسبب غير متكفّلة لإثبات وجود موضوعه أو نفيه ، وإنّما هي تثبت الحكم على تقدير وجود موضوعها.
وهذا كما في الماء المشكوك طهارته فيما إذا غسلنا به ثوباً متنجساً ، فإنّ قاعدة الطّهارة الجارية في الماء لا تبقي شكّاً في طهارة الثّوب المغسول به ليجري فيه
__________________
(١) الوسائل ٢ : ٢٧٦ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٤.