وأمّا إذا كان المتقدّم والمتأخر متخالفين فقد تقدّم أنّ له صوراً ثلاثاً ، ولا إشكال في جميع تلك الصور في عدم بطلان الغسل في الأعضاء السابقة بالحدث الأكبر الواقع في أثنائه ، لأنّه لا دليل عليه ، وإنّما الكلام في أنّه هل يوجب الوضوء أو لا يوجبه؟
أمّا الصورة الأُولى ووقوع الحدث غير الجنابة في أثناء غسل الجنابة ، كما إذا مسّ الميت في أثناء غسل الجنابة ، فإن قلنا إنّ الأحداث الكبيرة غير الجنابة أيضاً من نواقض الوضوء فهي في أنفسها توجب الوضوء ولا رافع له ، لأنّ غسل الجنابة إنّما يغني عن الوضوء فيما إذا وقع بتمامه بعد الحدث ، وأمّا إذا وقع بعضه بعد الحدث فلا يوجب رفعه ، ومعه لا بدّ من أن يتمّ غسله ثمّ يغتسل لمسّ الميت ويضمّ إليه الوضوء أيضاً ، نعم له أن يرفع يده عن غسله ويعدل إلى الارتماس فإنّه حينئذ يكفي عن كلا الحدثين كما يغني عن الوضوء أيضاً.
وأمّا إذا لم نقل بكونها من النواقض ، فسواء قلنا بكونها مغنية أم لم نقل لا يجب عليه الوضوء في مفروض المسألة ، لأنّ غسل الجنابة ليس قبله ولا بعده وضوء ، ولم يحدث سبب يقتضي الوضوء ، بلا فرق في ذلك بين أن يكون المكلّف محدثاً بالأصغر قبل حدثه الأوّل أم كان متطهراً منه.
وأمّا الصّورة الثّانية أعني ما إذا كان الحدث الواقع في الأثناء هو الجنابة والحدث الأوّل غير الجنابة ، كما إذا أجنب في أثناء غسل مسّ الميت ، فلا إشكال في عدم وجوب الوضوء عليه ، لأنّه لا بدّ من أن يغتسل للجنابة في أثناء غسله أم بعده وغسل الجنابة يغني عن الوضوء.
وله في هذه الصّورة أيضاً أن يرفع يده عن غسله ويأتي بغسل الجنابة بعد ذلك لأنّه يرفع جميع الأحداث الطارية عليه سواء قصدها أم لم ينوها ، لما يأتي من أنّ غسل الجنابة يرفع ما تقدّم عليه من الأحداث ، وهذه الصّورة أيضاً لا يفرق فيها بين ما إذا كان المكلّف متطهراً قبل حدثه الأوّل أم كان محدثاً.
وأمّا الصّورة الثّالثة بأن يكون الحدثان كلاهما غير الجنابة ، كما إذا مسّت المرأة ميتاً في أثناء اغتسالها من النّفاس ، فإن كان المكلّف متطهراً قبل حدثه السابق وقلنا