وأمّا بناءً على أنّ حرمتها ذاتيّة كما ذهب إليه بعضهم فأمرها يدور بين المحذورين ، لأنّها إمّا مكلّفة بالصلاة مثلاً وإمّا إنّها مكلّفة بتركها ، فلأجل دوران الأمر في حقّها بين المحذورين لا بدّ من الحكم بكونها مخيّرة.
إلاّ أنّ التخيير في حقّها ليس بمعنى كونها مخيّرة بين الإتيان بالعبادة وتركها في كلّ يوم حتّى يجوز لها أن تأتي بها في يوم وتتركها في يوم آخر إلى آخر الأيّام ، وذلك لأنّه يستلزم العلم بالمخالفة القطعيّة ، لأنّها في اليوم الّذي تركت الصّلاة إن كانت حائضاً واقعاً وإن كانت قد عملت بوظيفتها إلاّ أنّها أتت بها في اليوم الثّاني فقد خالفت وظيفتها ، لأنّها حائض ويجب عليها ترك الصّلاة في أيّام حيضها ، وإن كانت مستحاضة فإتيانها بالصلاة في اليوم الثّاني موافقة للتكليف إلاّ أنّ تركها في اليوم الأوّل مخالفة للأمر بالصلاة في حقّها لأنّها مستحاضة واقعاً ، والمخالفة القطعيّة ممّا لا يرضى بها العقل ولا يرخّص فيها وإن كانت مستلزمة للموافقة القطعيّة أيضاً.
وكذا ليس التخيير بمعنى جواز اختيارها الحيض إلى آخر الشهر أو الاستحاضة كذلك ، لأنّه أيضاً مستلزم للمخالفة القطعيّة وإن حصل بها العلم بالموافقة القطعيّة أيضاً.
بل التخيير بمعنى أنّها تأخذ خمسة أيّام منها وتجعلها حيضاً مخيّرة بين أوّل الأيّام أو وسطها أو آخرها ، لأنّه وإن لم يوجب العلم بالموافقة القطعيّة إلاّ أنّه موافقة احتماليّة ، والعقل بعد عدم التمكن من الامتثال الجزمي بالاحتياط يتنزل إلى الامتثال الاحتمالي لا محالة ، كما أنّ الأمر إذا دار بين المخالفة القطعيّة المستلزمة للموافقة القطعيّة وبين الامتثال الاحتمالي يتعيّن الامتثال الاحتمالي لدى العقل ، فإذا فرضنا أنّ مظنونها كون وقتها هو أوّل الدم أو وسطه أو أثنائه يتعيّن الأخذ بالتحيّض في ذلك الوقت الّذي تظنّ أنّه أيّامها ووقتها ، وذلك لأنّ العقل الحاكم في باب الإطاعة المستقل بقبح المعصية ولزوم الامتثال هو الّذي يستقل بتقديم الامتثال الظنّي على الامتثال الموهومي عند دوران الأمر بينهما.