استنباطات لا يساعدها الدليل.
وذلك لأنّ الأخبار الواردة في صفات الحيض من صحيحة حفص بن البَختَري والمرسلة وغيرهما (١) إنّما دلّتا على أنّ دم الحيض أسود ودم الاستحاضة بارد أصفر ولا تعرّض في شيء من تلك الرّوايات للأحمر (٢) ، فيدور الأمر بين إدراج الأحمر تحت الأسود والحكم بأنّه أعم من الحمرة ، وبين إدراجه تحت الأصفر والحكم بأنّه أعم من الأحمر ، إذ لا واسطة بين الحيض والاستحاضة ولا مجال لتثليث الأقسام والقول بأنّ الدم الأحمر ليس بحيض ولا باستحاضة.
فإذا راجعنا الرّوايات رأينا أنّ الأسود يراد به الأعم من الأسود والأحمر. وذلك لأنّ السواد بمفهومه المتعارف كما في سواد الفحم ممّا لا يوجد في الدم بوجه ، ولو وجد فهو أقلّ قليل ولا يمكن حمل الأخبار الواردة في أنّ دم الحيض أسود على المعدوم أو النادر مع كثرة النِّساء وكثرة حيضهن ، فمنه يعرف أنّ المراد بالأسود هو اللون المناسب للون الدم ، حيث يعبّر عن الدم شديد الحمرة بالأسود حتّى في زماننا ، وعليه فالمراد بالأسود هو الأحمر وإنّما عبّر عنه بذلك لشدّة حمرته.
ويكشف عن ذلك ما ورد في بعض الأخبار من جعل المقابلة بين الدم والصفرة حيث ورد أنّها « ترى البياض لا صفرة ولا دماً » (٣) ، أو أنّها « إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة » (٤) ، حيث يدلّنا على أنّ المراد بالأسود هو ما يقابل الأصفر أحمر كان أم أسود ، فإنّ الصفرة ليست بدم ، وما ورد في المرسلة من قوله « لأنّ السنّة في الحيض أن تكون الصفرة والكُدرة فما فوقها في أيّام الحيض إذا عرفت حيضاً كلّه إن كان الدم أسود أو غير ذلك » (٥) حيث جعلت السواد وغيره حيضاً في قبال الصفرة والكدرة فما
__________________
(١) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣.
(٢) نعم ورد في رواية محمّد بن مسلم : الوسائل ٢ : ٣٣٤ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٦ ، إلاّ أنّها مرسلة.
(٣) الوسائل ٢ : ٢٨٥ / أبواب الحيض ب ٦ ح ١.
(٤) الوسائل ٢ : ٢٩١ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٤.
(٥) الوسائل ٢ : ٢٧٦ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٤.