أيضاً لا كلام في أنّ السيِّد والزّوج ليس لهما منع الأمة أو الزّوجة عن الاحتياط ، لأنّ المرأة مأمورة بذلك ويحرم عليها المطاوعة والتمكين من نفسها ، ومعه لا يمكن الحكم بجواز المطالبة لهما ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولأنه يستلزم الأمر أو الترخيص في المعصية ، إذ لو كانت المرأة مأمورة بالمطاوعة مع فرض حرمتها في حقّها كان ذلك من الأمر بالمعصية.
وأمّا إذا لم يكن الاحتياط متعلّقاً للأمر المولوي وإنّما وجب عقلاً ، كما في موارد العلم الإجمالي أو الشبهات قبل الفحص وقلنا بأنّ أوامر التوقّف والاحتياط أوامر إرشاديّة وليست بمنجزة للواقع لأنّ الحكم الواقعي يتنجز قبلها فهي إرشاد إلى ما استقلّ به العقل ، فقد يقال : إنّ أمر المرأة يدور بين الحرمة والوجوب ، لأنّها إن كانت حائضاً فقد حرمت عليها المطاوعة من زوجها ، وإن كانت مستحاضة وجب عليها التمكين والقبول ، والزّوج غير مكلّف بالاحتياط وترك المطالبة ، فله أن يطالب بحقّه كما أنّ لها القبول ، لأنّها مخيّرة لا محالة ، لدوران أمرها بين المحذورين.
ويدفعه : أنّ المرأة وإن لم تكن مأمورة بالاحتياط حينئذ شرعاً إلاّ أن تمكينها معصية لا محالة ، وذلك لأنّ المعصية لغة وشرعاً غير متوقّفة على العلم بالحكم الواقعي أو بما قامت عليه الحجّة شرعاً ، بل المعصية هي كلّ عمل لم يرد فيه ترخيص من قبل المولى ، لأنّه تصرّف في سلطانه وخروج عن زيّ العبوديّة ووظيفة الرقيّة وإن لم يكن هناك حكم واقعي ولا ظاهري ، ومن ثمة قلنا إنّ المتجري يستحق العقاب مع عدم ارتكابه المحرّم الواقعي ، فإنّ إقدامه على ما لا مسوّغ للإقدام عليه هتك وتمرّد على المولى.
ومن جملة الموارد الّتي استعملت فيها المعصية في غير موارد الحكم الواقعي أو الظاهري قوله تعالى ( ... وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ) (١) ، وذلك لمّا بيّناه في التفسير من أنّ نهيه تعالى عن أكل الشجرة كان نهياً إرشاديّاً إلى ما يترتب عليه من المفاسد
__________________
(١) طه ٢٠ : ١٢١.