إجزاء الأحكام الظاهريّة عن الواقعيّة وعدمه ، بل لو قلنا في تلك المسألة أيضاً بالأجزاء لا نلتزم به في المقام ، وذلك لأنّ مسألة الإجزاء إنّما هي فيما إذا أتى المكلّف بالعمل على طبق الأمر الظاهري وكان المأمور به الواقعي على خلافه ، فيقع الكلام حينئذ في أنّ العمل على طبق الحكم الظاهري يجزئ عن الواقع أو لا يجزئ.
والأمر في المقام ليس كذلك ، لأنّ المرأة إذا أخذت بالتحيّض من أوّل الشهر مثلاً وتركت الصّلاة وغيرها من العبادات ثمّ انكشف أنّ عادتها إنّما هي من اليوم الخامس مثلاً وقد نسيتها فلم يصدر منها شيء ، فإنّها لم تأت بعمل ليوافق الواقع أو يخالفه حتّى يقال إنّ عملها على طبق الحكم الظاهري يجزئ عن الواقع أو لا يجزئ.
وكذلك الحال فيما إذا بنت على طهارتها فصلّت وصامت ثمّ انكشف أن تلك الأيّام هي أيّام عادتها ، وأمّا السابقة عليها فلم تكن من عادتها ، فإنّها وإن أتت بالصوم حينئذ إلاّ أنّه لا أمر به في حقِّها واقعاً ليوافقه أو يخالفه ، لأنّها في الواقع لم تكن مأمورة بالصوم ليكون ما أتت به على طبق الأمر الظاهري موافقاً للواقع أو مخالفاً له ، حيث لا أمر في الواقع كما عرفت ، هذا بالإضافة إلى صومها. وأمّا صلاتها فلا أثر لإتيانها حينئذ ، إذ لا يجب قضاء ما فات منها في أيّام العادة.
نعم إذا بنت على طهارتها وأتت بقضاء صلوات كانت في ذمّتها ، ثمّ تبيّن أنّها أيّام عادتها وصلاتها المأتي بها قضاءً باطلة فوجوب الإتيان بها قضاءً ثانياً وعدمه يبتني على أنّ العمل على طبق الحكم الظاهري مجزئ عن الواقع أو غير مجزئ ، لأنّها أتت بالعمل على طبق حكمها الظاهري وكانت في الواقع مكلّفة بذلك العمل مشروطاً بالطّهارة وهي غير طاهرة ، وبما أنّا بنينا في محله على عدم إجزاء الأحكام الظاهريّة عن الواقعيّة فلا مناص من أن تأتي بالقضاء في غير تلك الأيّام ثانياً.