والوجه في عدم جريانها ما تقدّم من أنّ التّجاوز عن المحل الاعتيادي لا اعتبار به (١) فإنّ المعتبر هو التّجاوز عن المحل المقرّر الشرعي ، وهو غير متحقّق في المقام فالمتحصل إلى هنا أنّ الشكّ في الجزء الأخير ليس بمورد لشيء من القاعدتين.
نعم ، نلتزم بعدم الاعتبار بالشكّ في الجزء الأخير من غسله فيما إذا دخل في الصّلاة ، وهذا لا لعموم أدلّة قاعدة التّجاوز أو إطلاقاتها ، وذلك لما مرّ من عدم جريان القاعدة حينئذ ، ومن هنا لو شكّ في أصل طهارته وهو في أثناء الصّلاة قلنا بعدم جريان قاعدة التّجاوز في وضوئه وغسله ، لأنّ الطّهارة من الشّرائط المقارنة للصلاة وليس محلّها قبل الصّلاة ، بل الوجه فيما ذكرنا هو الصّحيحة الواردة في « رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة ، فقال : إذا شكّ وكانت به بلة وهو في صلاته مسح بها عليه إلى أن قال فإن دخله الشكّ وقد دخل في صلاته فليمض في صلاته ولا شيء عليه » (٢).
وعليه فلو شكّ في أنّه غسل جانبه الأيسر أم لم يغسله وهو في الصّلاة لم يعتن بشكّه ، لهذه الصّحيحة ، إلاّ أنّها لمّا كانت على خلاف القاعدة لم يكن مناص من الالتزام بأمرين :
أحدهما : تخصيص الحكم بموردها ، وهو ما إذا كان داخلاً في صلاته ، فلو دخل في غيرها من الأفعال لم يحكم بصحّة غسله ، نعم ورد في رواية الكافي « وقد دخل في حال أُخرى » (٣) ، بدلاً عن قوله « وقد دخل في صلاته » إلاّ أنّ الترجيح مع رواية الشيخ المشتملة على قوله « وقد دخل في صلاته » وإن كان الكليني أضبط ، وذلك لأنّ ذيلها قرينة على أنّ المذكور هو الدّخول في صلاته ، حيث قال « فليمض في صلاته » إذ لو كان الوارد هو قوله « وقد دخل في حال اخرى » لم يكن معنى لقوله « فليمض في صلاته » ، بل كان الصّحيح أن يقول فليدخل في صلاة أو غيرها ممّا يشترط فيه الطّهارة.
__________________
(١) تقدّم في ص ٣٣.
(٢) الوسائل ٢ : ٢٦٠ / أبواب الجنابة ب ٤١ ح ٢.
(٣) الكافي ٣ : ٣٣ / ٢ باب الشكّ في الوضوء.