مثله التداخل ، حيث إنّ كلّ واحد من المأمور بهما أمر مغاير للآخر في نفسه ، وليس أمراً واحداً ليستحيل البعث نحوه ببعثين ، ومعه لا مانع من التداخل في مورد التصادق حسب إطلاقهما. هذا ما قدّمناه في بحث المفاهيم (١).
إلاّ أنّه فيما إذا كان الأمران نفسيين مولويين ، وأمّا في الأوامر الإرشاديّة كما في الوضوء والغسل حيث إنهما غير واجبين في نفسهما وإنما أُمر بهما مقدّمة للصلاة ، كما في قوله تعالى : ( ... إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) إلى قوله ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... ) (٢) ، وهكذا الحال في بقيّة الأغسال الواجبة حيث أُمر بها في السنّة مقدّمة وشرطاً للصلاة ، فالأمر بها أمر إرشادي لا محالة فالأمر بالعكس والقاعدة تقتضي فيها التداخل لإطلاقهما ، ولا مانع من أن يكون للشرط الواحد أسباب متعدّدة ، بأن يكون لاشتراط الصّلاة بالغسل والطّهارة أسباب من الجنابة والحيض ونحوهما ، كما هو الحال في الوضوء لتعدّد أسبابه من البول والغائط.
وحيث إنّ المأمور به في الجميع أمر واحد ، وهو طبيعة الغسل لا الغسل المقيّد بالجنابة أو بالحيض أو بغيرهما ، لأنّهما أسباب الأمر بالطبيعة ، فالمأمور به شيء واحد في الجميع ، فلو أتى به للجنابة مثلاً غافلاً عن بقيّة الأسباب أيضاً حصل به الامتثال وسقط عنه الجميع ، نعم علمنا خارجاً أنّ الغسل عبادي ويشترط في صحّته قصد التقرّب ، إلاّ أنّه يكفي في التّقرب به أن يؤتى به لأجل أنّه مقدّمة للصلاة أو للصوم أو لغيرهما من الواجبات ، فإنّ الإتيان بهذا الدّاعي من أحد طرق التقرّب على ما حرّرناه في محله. ومعه إذا أتى بالغسل لأجل كونه مقدّمة للصلاة كفى هذا عن الجميع ، ولو مع كونه غافلاً عن غير الجنابة أو مسّ الميت أو نحوهما ، لأنّ الطبيعة قد تحقّقت في الخارج وأتى بها بقصد القربة وحصل به الامتثال ، فحال الغسل حينئذ حال الوضوء ، فكما أنّه إذا نام وبال ثمّ توضأ مقدّمة للصلاة مع الغفلة عن نومه كفى
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٠٩.
(٢) المائدة ٥ : ٦.