والمبادئ التصورية هي لحاظ ذات الموضوع والمحمول وذاتياتهما في كل علم ، ومن البديهي أنّ البحث عن مسألة مقدمة الواجب لا يرجع إلى ذلك. والمبادئ التصديقية هي المقدمات التي يتوقف عليها تشكيل القياس ، ومنها المسائل الاصولية فانّها مبادئ تصديقية بالاضافة إلى المسائل الفقهية ، لوقوعها في كبرى قياساتها التي تستنتج منها تلك المسائل والأحكام ، ولا نعقل المبادئ الأحكامية في مقابل المبادئ التصورية والتصديقية.
نعم ، قد يكون الحكم موضوعاً فيبحث عن حالاته وآثاره ، إلاّ أنّه في الحقيقة داخل في المبادئ التصديقية وليس شيئاً آخر في مقابلها وهو ظاهر ، كما أنّ تصوره بذاته وذاتياته داخل في المبادئ التصورية. على أنّ البحث في هذه المسألة ليس عن حالات الحكم وآثاره ، بل هو عن إدراك العقل الملازمة بين حكمين شرعيين : النفسي والغيري ، وعدمه.
وعلى هذا الضوء ، فإن أراد القائل بالمبادئ الأحكامية أنّها من المبادئ التصديقية لعلم الفقه ، فيرد عليه : أنّ جميع المسائل الاصولية بشتى أنواعها كذلك ، فلا اختصاص لها بتلك المسألة. وإن أراد أنّها من المبادئ التصديقية لعلم الاصول ، فهو خاطئ جداً ، لما سنشير إليه من أنّ هذه المسألة من المسائل الاصولية التي تقع في طريق الاستنباط بلا توسط مسألة اصولية اخرى.
والصحيح : أنّها من المسائل الاصولية العقلية ، فلنا دعويان : الاولى : أنّها من المسائل الاصولية. الثانية : أنّها من المسائل العقلية.
أمّا الدعوى الاولى : فلما حققناه في أوّل بحث الاصول (١) من أنّ المسائل الاصولية ترتكز على ركيزتين : ١ ـ أن تكون استفادة الأحكام الشرعية من
__________________
(١) في المجلد الأوّل من هذا الكتاب ص ٤ ـ ١٠.