فالصحيح أن يقال : إنّه لا مدفع لهذا الاشكال بناءً على نظرية المشهور من أنّ الانشاء عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ ، ضرورة عدم إمكان تخلف الوجود عن الايجاد. وأمّا بناءً على نظريتنا من أنّ الانشاء عبارة عن إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج بمبرز من قول أو فعل كما حققناه في مبحث الخبر والانشاء بشكل موسّع (١) ، فيندفع الاشكال المذكور من أصله ، والسبب في ذلك : هو أنّ المراد من الايجاب سواء أكان إبراز الأمر الاعتباري النفساني أم كان نفس ذلك الأمر الاعتباري ، فعلى كلا التقديرين لا يلزم محذور من رجوع القيد إلى مفاد الهيئة.
أمّا على الأوّل ، فلأنّ كلاًّ من الابراز والمبرز والبروز فعلي ، فليس شيء منها معلّقاً على أمر متأخر ، وهذا ظاهر.
وأمّا على الثاني ، فلأنّ الاعتبار بما أنّه من الامور النفسانية التعليقية يعني ذات الاضافة كالعلم والشوق وما شاكلهما من الصفات الحقيقية التي تكون كذلك ، فلا مانع من تعلّقه بأمر متأخر كما يتعلّق بأمر حالي ، نظير العلم فإنّه كما يتعلق بأمر حالي كذلك يتعلّق بأمر استقبالي. وعلى الجملة : فكما يمكن تأخر المعلوم عن العلم زمناً كقيام زيد غداً أو سفره أو نحو ذلك ، حيث إنّ العلم به حالي والمعلوم أمر استقبالي ، فكذلك يمكن تأخر المعتبر عن الاعتبار ، بأن يكون الاعتبار حالياً والمعتبر أمراً متأخراً ، كاعتبار وجوب الصوم على زيد غداً أو نحو ذلك ، فالتفكيك إنّما هو بين الاعتبار والمعتبر ولا محذور فيه أصلاً ، ولا يقاس ذلك بالتفكيك بين الايجاد والوجود في التكوينيات أصلاً.
وممّا يشهد لما ذكرناه : صحة الوصية التمليكية ، فلو قال الموصي هذه الدار
__________________
(١) راجع المجلد الأوّل من هذا الكتاب ص ٩٩.