وحقيقة ، والاختلاف بينهما إنّما هو بالاعتبار ، فلا يعقل التفكيك بينهما ، وكذا الحال في التشريعيات ، بداهة أنّه لا فرق في استحالة التفكيك بين الايجاد والوجود في التشريع والتكوين. وعلى الجملة : فايجاب المولى ووجوبه إنّما يتحققان بنفس إنشائه فلا فرق بينهما إلاّبالاعتبار ، فبملاحظة فاعله إيجاب ، وبملاحظة قابله وجوب ، كما هو الحال في الايجاد والوجود التكوينيين.
وعلى هذا الضوء فلا محالة يرجع القيد إلى المادة دون الهيئة ، وإلاّ لزم تحقق الايجاب دون الوجوب ، ولازم ذلك انفكاكه عنه ، لفرض عدم إنشاء آخر في البين ، ومردّه إلى تخلف الوجود عن الايجاد وهو مستحيل ، فالنتيجة تعيّن رجوع القيد إلى المادة بعد استحالة رجوعه إلى الهيئة ، لعدم ثالث في البين.
وقد أجاب المحقق صاحب الكفاية قدسسره عن ذلك بما إليك نصّه : المنشأ إذا كان هو الطلب على تقدير حصوله ـ الشرط ـ فلا بدّ أن لا يكون قبل حصوله طلب وبعث ، وإلاّ لتخلف عن إنشائه ، وإنشاء أمر على تقدير كالاخبار به بمكان من الامكان ، كما يشهد به الوجدان (١).
وفيه : أنّ ما أفاده قدسسره مصادرة ظاهرة ، وذلك لأنّ الكلام إنّما هو في إمكان هذا النحو من الانشاء ، وأ نّه كيف يمكن مع استلزامه تخلف الوجوب عن الايجاب وهو مساوق لتخلف الوجود عن الايجاد. وبكلمة اخرى : أنّ محل الكلام هنا إنّما هو في إمكان كون الايجاد حالياً والوجود استقبالياً وعدم إمكانه ، فكيف يمكن أن يستدل على إمكانه بنفس ذلك ، وهذا نظير ما تقدّم في الجواب عن الشرط المتأخر من أنّ الشرط بوصف كونه متأخراً شرط ، أو بوصف كونه معدوماً كذلك ، فلو تقدّم كان خلفاً.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٩٧.