الأوّل : ما حكاه المحقق صاحب الكفاية قدسسره عن بعض معاصريه (١) وملخّصه : أنّ الارادة لايمكن أن تتعلق بأمر متأخر بلا فرق بين الارادة التكوينية والتشريعية ، إذ لا فرق بينهما إلاّفي أنّ الاولى تتعلق بفعل نفس المريد ، والثانية تتعلق بفعل غيره ، ومن المعلوم أنّ الايجاب والطلب بازاء الارادة المحرّكة للعضلات نحو المراد ، فكما أنّ الارادة التكوينية لا تنفك عن المراد زمناً حيث إنّها لا تنفك عن التحريك وهو لا ينفك عن الحركة خارجاً ، وإن تأخرت عنه رتبة ، فكذلك الارادة التشريعية لا تنفك عن الايجاب زمناً وهو غير منفك عن تحريك العبد في الخارج ، ولازم ذلك استحالة تعلق الايجاب بأمر استقبالي ، لاستلزامه انفكاك الايجاب عن التحريك وهو مستحيل ، وبما أنّ الالتزام بالواجب المعلّق يستلزم ذلك فلا محالة يكون محالاً.
وأجاب صاحب الكفاية قدسسره عن ذلك بما هو لفظه : قلت : فيه أنّ الارادة تتعلق بأمر متأخر استقبالي كما تتعلّق بأمر حالي وهو أوضح من أن يخفى على عاقل فضلاً عن فاضل ، ضرورة أنّ تحمل المشاق في تحصيل المقدّمات فيما إذا كان المقصود بعيد المسافة وكثير المؤونة ، ليس إلاّلأجل تعلق إرادته به وكونه مريداً له قاصداً إيّاه لا يكاد يحمله على التحمل إلاّذلك ، ولعل الذي أوقعه في الغلط ما قرع سمعه من تعريف الارادة بالشوق المؤكد المحرّك للعضلات نحو المراد ، وتوهم أنّ تحريكها نحو المتأخر ممّا لا يكاد ، وقد غفل عن أنّ كونه محرّكاً نحوه يختلف حسب اختلافه ، في كونه ممّا لا مؤونة له كحركة نفس العضلات ، أو ممّا له مؤونة ومقدمات قليلة أو كثيرة ، فحركة العضلات تكون أعم من أن تكون بنفسها مقصودة أو مقدمة له ، والجامع أن يكون نحو المقصود ، بل مرادهم من هذا الوصف في تعريف الارادة بيان مرتبة الشوق
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٠٢.