الذي يكون هو الإرادة وإن لم يكن هناك فعلاً تحريك ، لكون المراد وما اشتاق إليه كمال الاشتياق أمراً استقبالياً غير محتاج إلى تهيئة مؤونة أو تمهيد مقدمة ، ضرورة أنّ شوقه إليه ربما يكون أشد من الشوق المحرّك فعلاً نحو أمر حالي أو استقبالي محتاج إلى ذلك. هذا مع أنّه لا يكاد يتعلق البعث إلاّبأمر متأخر عن زمان البعث ، ضرورة أنّ البعث إنّما يكون لاحداث الداعي للمكلف إلى المكلف به ، بأن يتصوره بما يترتب عليه من المثوبة ، وعلى تركه من العقوبة ، ولا يكاد يكون هذا إلاّبعد البعث بزمان ، فلا محالة يكون البعث نحو أمر متأخر عنه بالزمان ، ولا يتفاوت طوله وقصره فيما هو ملاك الاستحالة والامكان في نظر العقل الحاكم في هذا الباب (١).
وملخّص ما أفاده قدسسره أمران :
الأوّل : أنّ الارادة مرتبة خاصة من الشوق الحاصل في افق النفس ، وهي المرتبة التي يكون من شأنها انبعاث القوة العاملة في العضلات لتحريكها نحو المراد ، غاية الأمر إذا كان أمراً حالياً فهي توجب تحريكها نحوه حالاً ، وإذا كان أمراً استقبالياً ، فإن كانت له مقدمة خارجية فكذلك ، وإن لم تكن له مقدمة خارجية غير مجيء زمانه لم توجب التحريك. مع أنّه بهذه المرتبة الخاصة موجود في عالم النفس ، فأخذ الوصف المزبور في تعريف الارادة إنّما هو للاشارة إلى أنّها عبارة عن تلك المرتبة الخاصة وإن لم توجب التحريك فعلاً من جهة عدم الموضوع لا من جهة قصور فيها ، فإذن لا مانع من تعلق الارادة بأمر متأخر كما تتعلق بأمر حالي ، وهذا لعلّه من الواضحات.
الثاني : أنّه لا شبهة في انفكاك الوجوب عن متعلقه زماناً وتأخره عنه
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٠٢.