كذلك ، بداهة أنّ الغرض من البعث إنّما هو إحداث الداعي للمكلف نحو الفعل ، ومن الواضح أنّ الداعي إلى إيجاده إنّما يحصل بعد تصور الأمر وما يترتب عليه ، وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى زمانٍ ما ولو كان في غاية القصر ، فإذا جاز الانفكاك بينهما في ذلك جاز في زمن طويل أيضاً ، لعدم الفرق بينهما فيما هو ملاك الاستحالة والامكان.
وينبغي لنا أن نتعرض لنقده على الشكل التالي :
إن اريد بالارادة الشوق النفساني إلى شيء الحاصل في افق النفس من ملائمتها له أو ملائمة إحدى قواها ، وهي التي توجب هيجانها وميلها إليه إلى أن بلغ حدّ العزم والجزم ، فقد تقدّم في ضمن البحوث السالفة أنّ الشوق النفساني كما يتعلق بأمر حالي كذلك يتعلق بأمر استقبالي ، وهذا لا يحتاج إلى إقامة برهان ، بل هو أمر وجداني ضروري يعلمه كل ذي وجدان بمراجعة وجدانه ، بل ولا مانع من تعلقه بالأمر الممتنع كالجمع بين الضدين أو النقيضين أو ما شاكل ذلك فضلاً عن الأمر الممكن المتأخر ، كاشتياق الانسان إلى دخول الجنّة والتلبس بالملاذ الاخروية ، هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى : قد ذكرنا سابقاً بشكل موسّع أنّ الارادة بهذا المعنى مهما بلغت ذروتها من القوة والشدة لا تكون علة تامة لتحريك العضلات نحو الفعل.
وإن اريد بها الاختيار وإعمال القدرة ، فقد سبق الكلام في ذلك بصورة موسّعة وأ نّها لا تتعلق بفعل الغير ، بلا فرق بين اختياره ( عزّ وجلّ ) وإعمال قدرته واختيار غيره. نعم ، له تعالى إيجاد الفعل عن الغير بايجاد أسبابه ، ولكنه أجنبي عن تعلق مشيئته تعالى واختياره به مباشرة ، بل قد عرفت أنّها لا تتعلق بفعل الانسان نفسه إذا كان في زمن متأخر فضلاً عن فعل غيره ، ومن هنا لا يمكن تعلقها بالمركب من أجزاء طولية زمناً وتدريجية وجوداً دفعة