الاشكال به يمكن دفعه بالالتزام بوجوبها نفسياً ، لكن لا لأجل مصلحة في نفسها ، بل لأجل مصلحة كامنة في غيرها ، فيكون وجوبها للغير لا بالغير ، إذن تكون هذه المقدمات واجبة مع عدم وجوب ذيها فعلاً.
ومع الاغماض عن ذلك ، يمكن دفعه بالالتزام بحكم العقل بلزوم الاتيان بها بملاك إدراك العقل قبح تفويت الملاك الملزم في ظرفه ، حيث إنّه لا يفرق في القبح بين تفويت الملاك الملزم في موطنه ومخالفة التكليف الفعلي ، فكما يحكم بقبح الثاني يحكم بقبح الأوّل ، وبما أنّه يدرك أنّ الحج في ظرفه ذو ملاك ملزم ، وأ نّه لو لم يأت بمقدماته من الآن لفات منه ذلك الملاك ، يستقل بلزوم إتيانها قبل أوانه ولو بشهر أو أكثر أو أقل.
نعم ، ظواهر الأدلة في مسألتي الحج والصوم تساعد ما التزم به في الفصول من كون الوجوب حالياً والواجب استقبالياً ، فان قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )(١) ظاهر في فعلية وجوب الحج عند فعلية الاستطاعة ، كما أنّ قوله عزّ وجلّ ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )(٢) ظاهر في فعلية وجوب الصوم عند شهود الشهر ، والشهود كناية عن أحد أمرين : إمّا الحضور في مقابل السفر ، وإمّا رؤية الهلال ، وعلى كلا التقديرين فالآية تدل على تحقق وجوب الصوم عند تحقق الشهود. نعم ، ظواهر الأدلة في الصلوات الخمس لا تساعده ، فان قوله عليهالسلام « إذا زالت الشمس فقد وجب الطهور والصلاة » (٣) ظاهر في تحقق الوجوب بعد الزوال.
__________________
(١) آل عمران ٣ : ٩٧.
(٢) البقرة ٢ : ١٨٥.
(٣) الوسائل ١ : ٣٧٣ / أبواب الوضوء ب ٤ ح ١. وفيه : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ».