وعلى الثاني : فلا معنى لاجراء البراءة عن وجوب الوضوء قبل الوقت ، وذلك لعدم احتمال تقيده به ، وقد ذكرنا غير مرّة أنّ مفاد أصالة البراءة رفع الضيق عن المكلف لا رفع السعة والاطلاق. وأمّا بعد الوقت فيحكم العقل بوجوب الوضوء ، وذلك للعلم الاجمالي بوجوبه إمّا نفسياً أو غيرياً ، ولا يمكن إجراء البراءة عنهما معاً ، ومعه يؤثر العلم الاجمالي فيجب الاحتياط.
نعم ، لو شككنا في وجوب إعادة الوضوء بعد الوقت على تقدير كونه غيرياً ، أمكن رفعه بأصالة البراءة ، وذلك لأنّ تقييد الوضوء بوقوعه بما بعد الوقت على تقدير كون وجوبه غيرياً بما أنّه مجهول ، فلا مانع من إجراء البراءة عنه ، وذلك لأنّ وجوبه إن كان نفسياً فهو غير مقيد بذلك كما هو واضح ، وإن كان غيرياً فالمقدار المعلوم إنّما هو تقيد الصلاة به ، وأمّا تقيدها به بخصوصية أن يؤتى به بعد الوقت فهو مجهول فيدفع بالبراءة.
وقد تحصل من ذلك : أنّ ما أفاده قدسسره من الرجوع إلى أصالة البراءة في الجهات المزبورة لا يتم إلاّفي الجهة الأخيرة خاصّة.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة وهي : أنّ المرجع في جميع الصور المتقدمة هو قاعدة الاحتياط دون قاعدة البراءة ، إلاّفي خصوص الصورة الاولى.