عندئذ تدل على وجوب المسارعة نحوه بالتوبة والندامة التي هي واجبة بحكم العقل ، وليس المراد منها الأفعال الخارجية من الواجبات والمستحبات ، فاذن الآية ترشد إلى ما استقل به العقل وهو وجوب التوبة وأجنبية عما نحن بصدده.
الثاني : على تقدير التنزّل عن ذلك ، وتسليم أنّ الآيتين ليستا أجنبيتين عن محل الكلام ، إلاّ أنّ دلالتهما على ما نحن بصدده تقوم على أساس أن يكون الأمر فيهما مولوياً. وأمّا إذا كان إرشادياً كما هو الظاهر منه بحسب المتفاهم العرفي ، فلا دلالة لهما عليه أصلاً ، وذلك لأنّ مفادهما على هذا الضوء هو الارشاد إلى ما استقل به العقل من حسن المسارعة والاستباق نحو الاتيان بالمأمور به وتفريغ الذمة منه ، وتابع له في الالزام وعدمه فلا موضوعية له ، ومن الواضح أنّ حكم العقل بذلك يختلف في اللزوم وعدمه باختلاف موارده.
الثالث : على تقدير التنزل عن ذلك أيضاً ، وتسليم أنّ الأمر فيهما مولوي ، إلاّ أنّه لا بدّ من حمله على الاستحباب ، ولو حمل على ظاهره وهو الوجوب لزم تخصيص الأكثر وهو مستهجن ، والسبب في ذلك : هو أنّ المستحبات بشتّى أنواعها وأشكالها مصداق للخير وسبب للمغفرة ، فلو حملنا الأمر فيهما على الوجوب لزم خروجها بأجمعها عن إطلاقهما ، هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى : أنّ الواجبات على أصناف عديدة : أحدها : واجبات موسعة كالصلاة وما شاكلها ، والمفروض عدم وجوب الاستباق والمسارعة نحوها. وثانيها : واجبات مضيّقة كصوم شهر رمضان ونحوه ، والمفروض عدم وجوب الاتيان بها إلاّفي وقت خاص لا في أوّل وقت الامكان. وثالثها : واجبات فورية على نحو تعدّد المطلوب ، فعلى ما ذكرنا من الحمل لزم خروج الصنفين الأوّلين من الواجبات أيضاً عن إطلاقهما فيختص الاطلاق بخصوص الصنف الثالث ، ومن الطبيعي أنّ هذا من أظهر مصاديق تخصيص الأكثر.