ثانيهما : ما عن جماعة منهم شيخنا الاستاذ قدسسره (١) من صحة العبادة مطلقاً حتّى على القول باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه ، والوجه في ذلك : هو أنّ صحتها على القول بعدم الاقتضاء واضحة ، لعدم المقتضي للفساد أصلاً ، بناءً على ما هو الصحيح من عدم اشتراط صحة العبادة بقصد الأمر ، بل المعتبر فيها هو إضافتها إلى المولى بنحو من أنحاء الاضافة. وأمّا على القول بالاقتضاء فالعبادة كالصلاة مثلاً وإن كانت منهياً عنها ، إلاّ أنّ هذا النهي بما أنّه نهي غيري نشأ عن مقدمية تركها أو عن ملازمته لفعل المأمور به في الخارج ولم ينشأ عن مفسدة في متعلقه ، فلا يكون موجباً للفساد ، ومن هنا قالوا : إنّ مخالفة الأمر والنهي المقدميين لا توجب بعداً ، وسر ذلك ما سبق من أنّ النهي الغيري المقدمي لا يكشف عن وجود مفسدة في متعلقه وكونه مبغوضاً للمولى لئلاّ يمكن التقرب به ، فانّ المبّعد لا يمكن التقرب به.
وعلى ضوء ذلك فالعبادة باقية على ما كانت عليه من المصلحة والمحبوبية الذاتية الصالحة للتقرب بها ، والنهي المتعلق بها ـ بما أنّه غيري ـ لا يمنع عن التقرب بها.
وعلى الجملة : فبناءً على ما هو الصحيح من عدم اشتراط صحة العبادة بقصد الأمر وكفاية قصد الملاك ، فصحتها عندئذ تدور مدار تحقق الملاك بلا فرق بين القول بالاقتضاء والقول بعدمه ، وبما أنّها واجدة للملاك على كلا القولين فهي تقع صحيحة ، إذن فلا ثمرة.
أقول : أمّا الايراد الأوّل فيردّه : ما ذكرناه في بحث التعبدي والتوصلي مفصّلاً ، وسنتعرض لذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى أيضاً ، من أنّ المعتبر في صحة العبادة
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٢١ ، ٢٢.