الثالث : ما عن شيخنا الاستاذ قدسسره (١) من أنّ الفرد المزاحم تامّ الملاك حتّى على القول بكونه منهياً عنه ، والوجه في ذلك : هو أنّ النهي المانع عن التقرب بالعبادة هو الذي ينشأ من مفسدة في متعلقه وهو النهي النفسي. وأمّا النهي الغيري فبما أنّه لا ينشأ من مفسدة في متعلقه لا يكشف عن عدم وجود الملاك في متعلقه ، فبضم هذا إلى كبرى كفاية قصد الملاك في صحة العبادة كما تقدمت تستنتج صحة الفرد المزاحم.
ثمّ أورد قدسسره على نفسه بأنّ الحكم بصحة الفرد المزاحم من جهة الملاك لا يجتمع مع القول بأنّ منشأ اعتبار القدرة هو اقتضاء نفس التكليف ذلك كما هو الصحيح ، إذ على هذا يكون اعتبار القدرة فيه شرعياً ودخيلاً في ملاك الحكم فيرتفع الملاك بارتفاع القدرة لا محالة.
نعم ، تمّ ذلك بناءً على أنّ منشأ اعتبار القدرة في متعلق التكليف هو حكم العقل بقبح تكليف العاجز ، إذ حينئذ يمكن أن يقال إنّ اطلاق متعلقه شرعاً كاشف عن كونه ذا ملاك مطلقاً حتّى في حال عدم القدرة عليه.
توضيح ذلك : أنّ القدرة مرّة تؤخذ في متعلق التكليف لفظاً واخرى تؤخذ باقتضاء نفس التكليف ذلك ، فعلى الأوّل لا فرق بين أن تكون دلالة اللفظ على اعتبار القدرة فيه بالمطابقة كما في آية الحج فانّها تدل على اعتبار القدرة فيه مطابقة ، أو بالالتزام كما في آية الوضوء فانّها تدل على تقييد وجوب الوضوء بالتمكن من استعمال الماء عقلاً وشرعاً التزاماً من جهة أخذ عدم وجدان الماء في موضوع وجوب التيمم مطابقة ، والتفصيل قاطع للشركة لا محالة ، فانّه على كلا التقديرين كان تقييد الواجب بالقدرة مستفاداً من الدليل اللفظي ، ونتيجة
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٥.