الحجية بسقوط بعضها الآخر عنها ، مثلاً إذا أخبرت بينة على أنّ زيداً مديون من عمرو عشرة دراهم ، ولكن عمراً قد اعترف بأ نّه ليس مديوناً بالعشرة ، بل هو مديون بخمسة ، فلا إشكال في حجية البينة بالاضافة إلى الخمسة. أو قامت بينة على نجاسة الإناءين ، ولكن علمنا من الخارج بطهارة أحدهما من جهة إصابة المطر أو نحوه ، فأيضاً لا إشكال في حجيتها بالاضافة إلى نجاسة الاناء الآخر.
وسر ذلك هو أنّه لا ملازمة ولا تبعية بين المداليل الضمنية بعضها بالاضافة إلى بعضها الآخر ، ضرورة أنّ أحدها ليس معلولاً للآخر ولا علة له ولا هما معلولان لعلة ثالثة في الواقع. وعلى هذا الضوء لا محالة لا تستلزم إرادة أحدهما إرادة الآخر ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : أنّ أدلة الحجية ليست قاصرة عن إثبات حجية البينة أو ما شاكلها بالاضافة إلى الباقي. فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين هو أنّ سقوط بعض الدلالات الضمنية عن الحجية لا يوجب سقوط بعضها الآخر ، لعدم الملازمة والتبعية بينها كما مرّ. نعم ، الملازمة بينها في مقام الابراز ، فانّ الجميع كما عرفت يبرز بمبرز واحد.
وهذه هي النقطة الرئيسية للفرق بين الدلالة التضمنية والدلالة الالتزامية. أو فقل : إنّ الدلالة الالتزامية في نقطة مقابلة للدلالة التضمنية من ناحية مقام الثبوت والحجية. أمّا من ناحية مقام الثبوت ، فلأنّ المدلول الالتزامي لا يخلو في الواقع من أن يكون لازماً للمدلول المطابقي أو ملازماً له أو ملزوماً له ، ولأجل ذلك تستلزم إرادة أحدهما إرادة الآخر تبعاً. وأمّا من ناحية الحجية ، فلما سبق من أنّ أدلة الحجية إنّما تدل على حجية الدلالة الالتزامية تبعاً لدلالتها على حجية الدلالة المطابقية.