والوجه في ذلك : هو أنّ الغرض الداعي إلى جعل التكليف واعتباره على ذمة المكلف ـ سواء أكان التكليف وجوبياً أو تحريمياً ـ جعل الداعي له ليحرّك عضلاته نحو الفعل وينبعث منه ، ومن الواضح البيّن أنّ جعل الداعي له وإيجاده في نفسه لتحريك عضلاته إنّما يمكن فيما إذا كان الفعل في نفسه ممكناً ، ولا يلزم من فرض وقوعه في الخارج أو لا وقوعه فيه محال ، فإذا كان الفعل ممكناً بالامكان الوقوعي أمكن حصول الانبعاث له أو الانزجار من بعث المولى المتعلق به أو زجره عنه. وأمّا إذا كان الفعل ممتنعاً وخارجاً عن قدرة المكلف واختياره فلا يمكن حصول الانبعاث أو الانزجار له من بعثه أو زجره ، فإذا لم يمكن حصوله استحال البعث أو الزجر ، فانّ الغرض منه كما عرفت إمكان داعويته ، فإذا استحالت استحال جعله ، لكون جعله عندئذ لغواً صرفاً فلا يصدر من الحكيم ، لاستحالة تكليف العاجز.
وتترتب على هذا استحالة فعلية كلا الأمرين المزبورين في زمان واحد كما هو مبنى الترتب ، وذلك لأنّ معنى فعليتهما في زمان واحد هو أنّ كليهما يدعو فعلاً إلى إيجاد متعلقيهما في الخارج في ذلك الزمان ، وإلاّ فلا معنى لكونهما فعليين ، والحال أنّك قد عرفت استحالة جعل الداعي بجعل التكليف نحو المحال وما لا يقدر عليه المكلف ، وبما أنّ الجمع بين متعلقيهما في الخارج في زمان واحد محال ، فلا يمكن أن يكون كلاهما داعياً في ذلك الزمان ، لاستحالة حصول الداعي للمكلف وانبعاثه عنهما في زمان واحد ، إذن يستحيل جعل كليهما في هذا الحال ، لما مرّ من أنّ استحالة داعوية التكليف تستلزم استحالة جعله.
فالنتيجة : استحالة القول بالترتب ، وأنّ المجعول في الواقع هو الأمر بالأهم دون الأمر بالمهم.
والجواب عنه : يظهر ممّا تقدّم وملخصه : هو أنّه لا يلزم من اجتماع الأمرين