النسخ انتهاء الحكم بانتهاء أمده ومدة عمره وثبوت الحكم حقيقة قبل انتهائه ، فكذلك حجية الأمارة الاولى ، فانّها منتهية بانتهاء أمدها ومدة عمرها ـ وهو الظفر بالحجة الثانية ووصولها ـ حيث إنّها ثابتة حقيقة قبل ذلك ، والسبب في ذلك : هو ما عرفت من أنّ اتصاف الأمارة بالحجية متقوّم بالوصول إلى المكلف بصغراها وكبراها ، فمتى وصلت إليه كذلك اتصفت بالحجية ، وإلاّ لم يعقل اتصافها بها. وعلى هذا فالحجة الثانية ما لم تصل إلى المكلف لا يعقل كونها مانعة عن اتصاف الحجة السابقة بها ولا توجب رفع اليد عنها أصلاً ، وذلك لفرض أنّها قبل وصولها لم تكن حجة لتكون مانعة عن حجيتها ورافعة لها ، فإذا وصلت فبطبيعة الحال كانت رافعة لحجيتها من حين الوصول ، لفرض أنّ اتصافها بالحجية من هذا الحين فلا يعقل أن تكون رافعة لها قبله ، فإذن لا مانع من اتصافها بالحجية في وقتها وقبل الظفر بحجية الحجة الثانية ، ولا مزاحم لها في هذه الفترة من الزمن ، ولا موجب لرفع اليد عنها في تلك الفترة.
فالنتيجة على ضوء هذه النواحي : هي أنّه لا مناص من الالتزام بصحة الأعمال الماضية المطابقة مع الحجة السابقة ، ولا موجب لاعادتها أو قضائها في الوقت أو خارجه ، لفرض أنّها صادرة عن المكلف على طبق الحجة في ظرفها واقعاً ، ومعه لا مقتضي لبطلانها أصلاً ، ومن البديهي أنّ الشيء لا ينقلب عما وقع عليه.
ولنأخذ بالنقد عليه بيان ذلك : أنّ مقتضى الأمارة الثانية ـ سواء فيها القول باتصافها بالحجية الفعلية من الأوّل ، أو القول باتصافها بها كذلك من حين وصولها والظفر بها ـ هو عدم الإجزاء.
أمّا على التقدير الأوّل : فواضح ، حيث إنّه بعد انكشاف الخلاف ظهر أنّ الأمارة الثانية كانت حجة من الأوّل ، والأمارة الاولى لم تكن حجة كذلك ،