وصرف الاعتقاد بحجيتها من دون واقع موضوعي له لا أثر له أصلاً. ونتيجة ذلك بطبيعة الحال بطلان الأعمال الماضية ووجوب إعادتها أو قضائها ، حيث إنّها لم تكن مطابقة للحجة في ظرف حدوثها ، بل كانت مخالفة لها من ذلك الوقت على الفرض ، غاية الأمر أنّ المكلف جاهل بذلك ، ومعه كيف يمكن القول بالإجزاء وعدم وجوب الاعادة أو القضاء.
ولكن هذا التقدير مجرد فرض لا واقع له ، وذلك لما عرفت من أنّ حجية الأمارة فعلاً متقومة بالوصول فلا يعقل اتصافها بها كذلك من دون وصولها إلى المكلف صغرىً وكبرىً. وإن شئت قلت : إنّ الحجية وإن كانت كغيرها من الأحكام الشرعية ، فكما أنّ لها مرتبتين : مرتبة الانشاء ، ومرتبة الفعلية ، فكذلك للحجية مرتبتان : مرتبة إنشائها ، وهي جعلها على نحو القضية الحقيقية ولا أثر لها في هذه المرتبة ، ومرتبة فعليتها ، وهي مرتبة ترتب الآثار عليها ، ومن الطبيعي أنّ هذه المرتبة تتوقف على وصولها إلى المكلف ، حيث إنّ الآثار المرغوبة منها كالتنجيز والتعذير وصحة الاسناد والاستناد لا تترتب عليها إلاّبعد فعليتها ووصولها ، ضرورة أنّه لا معنى لحجية شيء فعلاً إلاّترتيب تلك الآثار عليه.
وأمّا على التقدير الثاني : فلأنّ صفة الحجية وإن كانت تحدث للأمارة المتأخرة بعد الظفر بها ووصولها ، ولا معنى لاتصافها بها قبل ذلك ، ومن هنا قلنا إنّ انكشاف الخلاف في الحجية أمر غير معقول ، والتبدل فيها إنّما هو من التبدل في الموضوع ، إلاّ أنّ مدلولها أمر سابق ، حيث إنّها تحكي عن ثبوت مدلولها في الشريعة المقدسة من دون اختصاصه بزمن دون آخر وبعصر دون عصر ، وذلك كما إذا افترضنا أنّ المجتهد أفتى بطهارة شيء من جهة قاعدة الطهارة ثمّ وجد ما يدل على نجاسته ، كالاستصحاب مثلاً كما إذا علم أنّ حالته السابقة هي النجاسة ، فهذا لا يكشف عن عدم حجية القاعدة في ظرفها ، وإنّما يوجب