من باب السببية ، هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى : أنّ الشارع قد أمضى تلك السيرة على ما هي عليه ، فالنتيجة على ضوئهما هي أنّ اعتبار الحجج والأمارات من باب الكاشفية والطريقية لا من باب السببية والموضوعية.
وأمّا على الثاني : فأيضاً كذلك ، فانّ الظاهر من الآيات والروايات هو إمضاء ما هو حجة عند العقلاء ، فلا تدلاّن على حجية شيء تأسيساً ، ومن هنا لم نجد في الشريعة المقدسة أن يحكم الشارع باعتبار أمارة تأسيساً. نعم ، قد زاد الشارع في بعض الموارد قيداً في اعتبارها ولم يكن ذلك القيد معتبراً عند العقلاء. وقد تحصّل من ذلك : أنّ الحجية التأسيسية لم توجد في الشريعة المقدّسة ، ليتوهم أنّها كانت من باب السببية. على أنّه لا ملازمة بينها وبين السببية أصلاً.
فالنتيجة لحدّ الآن قد أصبحت : أنّ السببية بهذا المعنى وإن كانت معقولة في ذاتها ولايترتب عليها المحاذير المترتبة على السببية بالمعنى الأوّل ، إلاّ أنّها خلاف الضرورة وإطلاقات الأدلة التي تقتضي عدم اختصاص مداليلها بالعالمين بها.
وما عن شيخنا العلاّمة الأنصاري قدسسره من أنّه قد تواترت الأخبار والآثار على اشتراك الأحكام الواقعية بين العالم والجاهل (١) لعله أراد منها الروايات الدالّة على ثبوت الأحكام مطلقاً ، أو أراد أخبار الاحتياط والبراءة أو ما شاكلها مما يدل بالالتزام على الاشتراك ، وإلاّ فلم ترد رواية واحدة تدل على أنّ الأحكام الواقعية مشتركة بين العالمين بها والجاهلين.
وأمّا السببية بالمعنى الثالث : فالكلام يقع فيها من جهات ثلاث :
__________________
(١) فرائد الاصول ١ : ٩١.