فقالا : لا نركب ، ولكن نتنكّب عن الطريق. وسلكا طريقاً آخر.
وكانا إذا طافا بالبيت الحرام يكاد الناس أن يحطموهما من كثرة السّلام عليهما ، والتبرّك بزيارتهما (١).
ومن ألوان ذلك التقدير أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) اجتاز في مسجد جدّه على جماعة فيهم عبد الله بن عمرو بن العاص فسلّم عليهم فردّوا عليه السّلام ، فانبرى إليه عبد الله فردّ عليه السّلام بصوت عالٍ ، وأقبل على القوم فقال لهم : ألا أخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟
ـ بلى.
ـ هذا الماشي ـ وأشار إلى الحسين ـ ما كلّمني كلمة منذ ليالي صفّين ، ولئن يرضى عنّي أحبّ إليّ من أن يكون لي حمر النِعم.
وانبرى إليه أبو سعيد الخدري ، فقال : ألا تعتذر إليه؟ فأجابه إلى ذلك. وخفّا إلى بيت الإمام ، فاستأذنا منه فأذن لهما ، ولمّا استقرّ بهما المجلس أقبل الإمام على عبد الله فقال له : «أعلمت يا عبد الله أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟».
فأسرع عبد الله مجيباً : أي وربّ الكعبة.
ـ «ما حملك على أن قاتلتني وأبي يوم صفّين ، فوالله لأبي كان خيراً منّي؟!».
وألقى عبد الله معاذيره قائلاً :
أجل ، ولكن عمرو ـ يعني أباه ـ شكاني إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ،
__________________
(١) البداية والنهاية ٨ / ٣٧.