قال له : إنّ عبد الله يقوم الليل ويصوم النهار ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «صلِّ ونَم ، وصُم وأفطر ، وأطع عمرواً». فلمّا كان يوم صفّين أقسم عليّ فخرجت. أما والله ما اخترطت سيفاً ، ولا طعنت برمح ، ولا رميت بسهم ، وما زال يتلطّف بالإمام حتّى رضي عنه (١). وقد كان عذره في طاعة أبيه في محاربة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) لا يحمل طابعاً من المشروعية ؛ فإنّ طاعة الأبوين لا تشرع في معصية الله حسب ما جاء في القرآن.
وعلى أيّ حال فقد كان الإمام الحسين موضع عناية المسلمين وإجلالهم ، ويقول المؤرّخون : إنّه حضر تشييع جنازة فسارع أبو هريرة فجعل ينفض بثوبه التراب والغبار عن قدمه (٢) ، وقد أوصى المقداد بن الأسود صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأحد السابقين الأوّلين للإسلام أن تدفع للحسين ستة وثلاثون ألفاً من تركته بعد وفاته (٣).
لقد رأت الصحابة أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) هو بقية الله في أرضه والمثل الأعلى لجدّه ، فأوْلَته المزيد من حبّها وتقديرها ، وراحت تتسابق للتشرّف بخدمته وزيارته.
__________________
(١) اُسد الغابة ٢ / ٣٤ ، كنز العمال ٦ / ٨٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٨٦.
(٢) سير أعلام النبلاء ٣ / ١٩٣ ، وفي كفاية الطالب / ٤٢٥ عن أبي المهزام قال : كنّا في جنازة امرأة ومعنا أبو هريرة ، فجيء بجنازة رجل فجعلها بين المرأة فصلّى عليهما ، فلمّا أقبلنا أعيا الحسين فقعد في الطريق ، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه ، فقال الحسين : «أتفعل هذا؟!». فقال أبو هريرة : دعني منك ، فوالله لو علم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم.
(٣) سير أعلام النبلاء ١ / ٢٨٠.