الأجهزة العميقة كجهاز البصر والسمع والإحساس وغيرها ، فكيف يصل إلى إدراك خالقه؟!
وعلى أيّ حال فقد أوضحت هذه اللوحة الرائعة كثيراً من شؤون التوحيد ، ودلّلت على كيفيته ، وهي من أثمن ما أثر عن أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) في هذا المجال.
٢ ـ يقول المؤرّخون : إنّ حبر الاُمّة عبد الله بن عباس كان يحدّث الناس في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقام إليه نافع الأزرق فقال له : تفتي الناس في النملة والقملة صف لي إلهك الذي تعبد؟! فأطرق إعظاماً لقوله ، وكان الإمام الحسين (عليه السّلام) جالساً فانبرى قائلاً : «إليّ يابن الأزرق».
ـ لست إيّاك.
فثار ابن عباس ، وقال له : إنّه من بيت النبوة ، وهم ورثة العلم.
فأقبل نافع نحو الحسين فقال (عليه السّلام) له : «يا نافع ، مَن وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس ، سائلاً ناكباً عن المنهاج ، ظاعناً بالاعوجاج ، ضالاً عن السبيل ، قائلاً غير الجميل. أصف لك إلهي بما وصف به نفسه ، واُعرّفه بما عرّف به نفسه ؛ لا يُدرك بالحواس ولا يُقاس بالناس ، قريب غير ملتصق ، بعيد غير منتقص ، يوحّد ولا يُبعّض ، معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ، لا إله إلاّ هو الكبير المتعال» (١).
فحار الأزرق ولم يطق جواباً ، فقد ملكت الحيرة أهابه ، وسدّ عليه الإمام كل نافذة ينفذ منها ، وبهر جميع مَن سمعوا مقالة الإمام ، وراحوا
__________________
(١) الكواكب الدرّية ١ / ٥٨.