الأحداث ، ولا يقدر الواصفون كُنه عظمته ، ولا يخطر على القلوب مبلغ جبروته ؛ لأنه ليس له في الأشياء عديل ، ولا تدركه العلماء بألبابها ، ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلاّ بالتحقيق ، إيقاناً بالغيب ؛ لأنّه لا يُوصف بشيء من صفات المخلوقين ، وهو الواحد الصمد. ما تصوّر في الأوهام فهو خلافه ، ليس بربِّ مَن طرح تحت البلاغ ، ومعبود مَن وجِد في هواء أو غير هواء ، هو في الأشياء كائن لا كينونة محظور بها عليه ، ومن الأشياء بائن لا بينونة غائب عنها ، ليس بقادر مَن قارنه ضد أو ساواه نِدّ. ليس عن الدهر قدمه ، ولا بالناحية اُممه ، احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار ، وعمّن في السماء احتجابه كمَن في الأرض ، قرّبه به كرامته ، وبُعده إهانته ، لا يحلّه في ، ولا توقته إذ ، ولا تؤامره إن ؛ علوّه من غير توقّل ، ومجيئه من غير تنقّل ، يوجد المفقود ، ويفقد الموجود ، ولا تجتمع لغيره الصفتان في وقت. يصيب الفكر منه الإيمان به موجوداً ، ووجود الإيمان لا وجود صفة ، به تُوصف الصفات لا بها يُوصف ، وبه تعرف المعارف لا بها يُعرف ، فذلك الله لا سميّ له ، سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» (١).
وحذّر الإمام من تشبيه الخالق العظيم بعباده أو بسائر الممكنات التي يلاحقها العدم ، ويطاردها الفناء.
إنّ الإنسان مهما اُوتي من طاقات فهي محدودة كمّاً وكيفاً ، ويستحيل أن يصل إلى إدارك حقيقة المبدع العظيم الذي خلق هذه الأكوان وخلق هذه المجرّات التي تذهل العقول تصوّرها ، وما بُنيت عليه من الأنظمة الدقيقة المذهلة ... إنّ الإنسان قد عجز عن معرفة نفسه التي انطوت على هذه
__________________
(١) تحف العقول / ٢٤٤.